- الرئيسية
- مقالات
- افتتاحية العدد
طور الحل الدستوري.. تسكين السياسة بالأوهام
بينما تتحدد المواجهات العسكرية في سوريا على جبهتين لم تُحسما بعد في إدلب ودير الزور، تظهر المواجهات السياسة وكأنّها تستجيب لشرط التسكين، وانتظار قادم المبادرات السياسية الدولية، بعد استقالة المبعوث ستيفان دي ميستورا، بإرثه الذي كوّم فشلاً على فشل أسلافه، منذ بدأت ما تعرف بمسيرة الحلّ السياسي في سوريا؛ والذي لم يقدم سوى خطابات وبكائيات دولية، تتنقل من اسم مدينة إلى آخر، تبعا لحركة آلة الإبادة الأسدية، وحليفيها الإيراني والروسي.
تموضع آلية السياسة الدولية إزاء المقتلة السورية صيغتها الراهنة في "اللجنة الدستورية"، لتقيم سجالاً عقيماً ومتكرراً حول جدوى الاقتناع بأنّ عصابة حاكمة بالقوّة مثل نظام الأسد، قد تقدّم في سياق مناورة -تقوم على تلبيس السياسة إهاب القانون والنصوص الدستورية- تنازلات لم تقدمّها في الحرب والسياسة التفاوضية، التي غيّرت جلدها غير مرة، من بيان جنيف إلى قرارات مجلس الأمن وعملية أستانا.
الواقع أنّ الرهان على وصول نظام الأسد إلى أيّ درجة من "العقلانية السياسية" يبدو مجرّد وهم لا طائل منه، لأنّ نظاماً قائماً على مزيج من القمع والفساد ورعاية الإرهاب، لن يمكنه التوصل إلى أيّ أرضية سياسية غير بقائه بصورته الأولى، والمفارقة هنا أنّ هذه الصورة تستند إلى ما يصر النظام على وصفه بـ"حكم دستوري" لايطبّق منه حرفاً واحداً، وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأنّه سيطبق أي تعاليم دستورية أخرى تهدد كيانه.
ثمة مفارقة أكثر عمقاً، إذ لو كان نظام الأسد قد التزم بأي دستور أقرّه، لما وصلت الأمور إلى ماهي عليه الآن، فكلّ دساتير سوريا منذ انقلاب حافظ الأسد، تنصّ على حق السوريين بالحياة والحرية والقضاء العادل؛ وهو مالم يحصل عليه أحد من مليون شهيد خلال الثورة، وأضعاف ذلك ممن اعتقلوا وعذبوا حتى الموت، وقمعوا وتشردوا من البلاد.
في هذا العدد من "عين المدينة"، و ككل عدد سبقه، هناك من التفاصيل ما يكفي لتوضيح استحالة تراكب معادلة تجمع بين نظام الأسد وأي صورة للحكم الرشيد أو حتى للطغيان المستتر.
ثمة صورة لبلدة داريا تقول كل شيء، ولو استبدلناها بصور من حمص أو الرقة أو دير الزور أو درعا، لما تغير الكثير؛ لا دستور ذا معنى في ظل بقاء نظام بشار الأسد.