- الرئيسية
- مقالات
- رأي
صحفي تركي من أصل سوري
اعتقلت الشرطة التركية، قبل أيامٍ، الصحفي حسني محلي بدعوى «إهانته لكبار مسؤولي الدولة» حسبما نقلت وسائل إعلام.
محلّي مواطنٌ تركيٌّ من أصلٍ سوريّ، من تركمان جرابلس الواقعة على الحدود السورية التركية. درس في جامعات إسطنبول وحصل على درجة الدكتوراه برسالةٍ موضوعها «العلاقات العربية-التركية». كان يكتب بانتظامٍ في جريدة «آكشام» إلى حين طرده منها، في إطار التصفيات التي تعرّضت لها وسائل الإعلام، بعد ثورة منتزه «غزي» صيف العام 2013.
ويعمل محلي، إضافةً إلى عمله في وسائل إعلامٍ تركية، مراسلاً لوكالة سانا السورية، كما كان يكتب بانتظامٍ في جريدة الأخبار اللبنانية المموّلة من حزب الله. دأب، منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، على الدفاع عن نظام دمشق الكيماويّ، سواءً في الصحف وقنوات التلفزيون التركية، أو في جريدة الأخبار المذكورة، أي بكلتا اللغتين العربية والتركية. هذا ما وضعه، بطبيعة الحال، على طرفي نقيضٍ مع سياسة الحكومة التركية وإعلامها الموالي. فلم يكن مفاجئاً، والحال كذلك، اعتقاله وتوجيه اتهاماتٍ له بغاية محاكمته، في سياق الكبت العميم الذي يتعرّض له الإعلام في تركيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وترتفع وتيرته كلما واجهت الحكومة معركةً جديدة: أحداث منتزه غزي، صيف 2013؛ بداية الحرب على جماعة فتح الله غولن، كانون الأول 2013؛ عودة الحرب على حزب العمال الكردستانيّ، صيف 2015؛ المحاولة الانقلابية الفاشلة، صيف 2016؛ وفي خلفية كل ذلك: الصراع في سوريا وعليها والدور التركي فيه.
التقيتُ بمحلي، ذات مصادفةٍ في دمشق، قبل سنوات. كنت على موعدٍ مع روائيةٍ تركيةٍ طلبت مني ترجمة روايةٍ جديدةٍ لها إلى اللغة العربية، تتناول فيها جوانب من الحرب الأهلية اللبنانية. لم نتفق على العمل. وأثناء اللقاء جاءها اتصالٌ من حسني محلي الذي صادف وجوده في دمشق بمناسبة زيارة الرئيس التركيّ عبد الله غل، وكان ضمن الوفد الإعلاميّ المرافق له، كما سيخبرنا حين انضم إلينا لاحقاً.
كان محلي، في ذلك الوقت، من الصحفيين المدللين لدى حكومة العدالة والتنمية، في زمن شهر العسل بين تركيا ونظام دمشق الكيماويّ. لم أعترض على انضمامه إلينا، بعد انتهاء حديثنا بشأن العمل، من منطلق أنها فرصةٌ للتعرّف على زميلٍ سوريٍّ يكتب في الصحافة التركية التي أتابعها. لكن ذلك لم يدم إلا لفترةٍ قصيرةٍ جداً، ندمت بعدها على لقائي به. فقد عبّر الرجل بوضوح عن موالاته للنظام، رغم أنه يحمل الجنسية التركية ويعيش في تركيا منذ عقود. لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل دعا شخصاً آخر إلى مجلسنا، قدّمه إلينا، حين وصوله، على أنه من المكتب الصحفيّ في القصر الرئاسيّ في دمشق! وهكذا كان عليّ أن ألزم الصمت طوال ما تبقى من الوقت قبل أن نفترق، وأنا أستمع إلى محلي المبارِك للعلاقات الممتازة بين دمشق وأنقرة. وإذ لم يجد تجاوباً ومشاركةً في هذا الموضوع، انتقل الحديث إلى شؤون الصحافة التركية وكواليسها ونمائمها، فكان ذلك أقل وطأة، بل وممتعاً بعض الشيء.
لم أتابع كتابات محلي بعد ذلك اللقاء، وكان قبل ذلك يظهر على قنوات التلفزيون العربية لتغطية الشؤون التركية. ثم قرأت له مرّةً، بعد اندلاع الثورة، من باب الفضول، فعرفت انحيازه المباشر للنظام ضد الشعب وثورته.
فيما يلي مختاراتٌ من تغريداته بشأن حلب، في الأيام الأخيرة قبل اعتقاله، على موقع تويتر:
- انتهى أمر حلب. إلى مخلوقات الإعلام النقاقة الكاذبة: انتهى وقت الأكاذيب. ليشاهد أولئك الناعقون عن «قتل المدنيين» في حلب كل يوم، كيف يحتفل أهالي حلب بالتخلص من الإرهابيين.
- كذابو الإعلام الذين فقدوا رشدهم بسبب القضاء على الإرهابيين في حلب، بإمكانهم أن ينضموا إلى صفوف النصرة ويحلموا بالحوريات.
- صحيح أن الوضع في حلب قد انتهى، لكن مركز عمليات الموساد والمخابرات المركزية الأميركية في قناة الجزيرة، يواصل إنتاج الأكاذيب، كحال الكذابين عندنا. لكنه لن ينفع!
- أيها السيدات والسادة، حتى الموالاة لها أصولها! من تحزنون عليهم هم مجرمو النصرة الذين تعتبرهم تركيا أيضاً إرهابيين. أسفاً على دموعكم.
- أيتها الكائنات الكذابة المثيرة للشفقة: انتهى وقت أكاذيبكم بشأن حلب. الآن أوان الحقائق السورية. لا تتعبوا أنفسكم بلا طائل، فنهايتكم قريبة. حلب، انتهى أمرها، هناك مناطق أخرى سيأتي عليها الدور. سيتم القضاء على الإرهابيين في سوريا، وستتخلص تركيا من الإرهاب. كما كانت الحال قبل 2011. أيها المساكين الذين تشتمونني: لو كان هناك مئة ألف إرهابي في تركيا، وفي أيديهم مدافع وصواريخ وسلاح كيماوي ومختلف الأسلحة الثقيلة، فما كنتم تفعلون؟
هذا هو حسني محلي، الصحفي التركمانيّ التركيّ من أصلٍ سوريّ.
كل هذه التغريدات، وكذا كتاباته الصحفية، لا تبرّر اعتقاله بسبب آرائه.
خاصةً وأن اعتقال الصحفيين في تركيا أمرٌ مسيّس، أي يشمل كل منتقدي الحكومة من كل التيارات. لكن قلبي لا يطاوعني لأن أتضامن مع هذا الشبّيح الإعلامي.
ولا أستنظف موالاته الشديدة للنظام من شبهة العلاقة مع أجهزته.
الحرّية لكل الصحفيين المعتقلين في تركيا.