مقبرة شهداء موحسن ساعة التشييع
حين يصبح جنود الحر أسطورة تكون الرصافة
المعـركة التي خسرت بها الثـــورة 21 شهيداً وكســــبت جيشـــاً من المــنشــقــين
المكان: دير الزور ـ الرصافة | الزمان: صباح الأحد المصادف 18/3/2012
بدأت المعركة عند الساعة التاسعة والنصف بعد أن طوقت قوات مدرعة مؤلفة من مئات الجنود والآليات التابعة لجيش الأسد مقراً لمجموعة من مقاتلي الجيش الحر المتمترسين في بناية سكنية في حي الرصافة شرقي مدينة ديرالزور .. ينحدر معظم أفراد هذه المجموعة من مدينة موحسن، وأول أقذيفة أطلقتها دبابة من دبابات النظام أصابت إحدى الشقق السكنية التي تتمركز فيها المجموعة، واستمرت المعركة لساعات عدة أسفرت عن استشهاد 21 مقاتلاً من الجيش الحر معظمهم ينتسبون لكتيبة عثمان بن عفان، ومقتل أكثر من 80 عنصراً من جيش الأسد، ذلك حسب أنباء مؤكدة نقلت من مصادر داخل الجيش الأسدي، ويأتي في مقدمة قتلى النظام «الرائد أيهم حمد» ضابط المخابرات الجوية وابن شقيقة آصف شوكت, أيهم الذي ظهر في مقاطع مسربة وهو يطلق النار من بندقية روسية في تسجيل استعراضي من «تذكار دامٍ عن بطولة وهمية ينوي المباهاة بها, وهو المؤمن أن حكم عائلة الأسد لهذه البلاد قدر أبدي, وأن الجريمة هي أول الدرجات في سلم الصعود بمراتب المملكة الأسدية»... من سطح بناية في ذلك الحي أطلق أيهم حمد النار كما ظهر في المقطع المسرب والذي تناقلته صفحات الثوار والشبيحة وكل بطريقة مختلفة.
أسطورة المقاومة..
سطر المقاومون داخل البناء المحاصر بطولات عدة، حيث تصدوا وبشجاعة أسطورية لقوات الأسد وبادر بعضهم بالخروج إليها كما فعل كل من الشهيدين عبد المنعم البرجس ويوسف الستيفان، وكما فعل الشهداء الذين صعدوا إلى سطح البناء كمحمود الجاجان وغازي العليوي وعبد الله البرجس وعزالدين الفناد وزياد المتعب والأخوين مشهور، وجميع من تمكن من الصعود إلى السطح للتغطية وحماية الباقين، حيث استطاع بعضهم فتح ثغرات في جدران الشقق المجاورة باستخدام اسطوانات الغاز المعدنية، ودارت خلال ساعات المعركة اشتباكات داخل الغرف وبين الشقق المتلاصقة.حاولت مجموعات أخرى من الجيش الحر في ذلك اليوم فعل شيءٍ ما لفك الحصار أو تشتيت قوات النظام المحاصرة لبناء الرصافة، حيث قامت هذه المجموعات باحتلال حي الحميدية وسيطرت على دوار غسان عبود، ودخلت في اشتباكات مفتوحة مع تلك القوات، ما فرض أجواء حرب حقيقية على الجزء الشرقي لمدينة ديرالزور. كما حاول الكثيرون المساعدة بما أتاحت لهم الظروف والإمكانات، ووحده الحاج محمود المحيسن قائد كتيبة عمر بن الخطاب يرافقه المقاتل الشهير شحوار استطاعا الوصول إلى المكان، واشتبك كل منهما مع القوات المنتشرة هناك فاستشهد الحاج محمود خلال محاولته البطولية تلك وأصيب شحوار، كما تمكن العشرات من مقاتلي الحر من النجاة بعد معارك دارت في مواضع عدة، قريباً من وداخل البناء المحاصر، واستشهد كثير من الناجين بعد ذلك في جبهات ومعارك مختلفة، ويقاتل الأحياء القلائل الباقون حتى الآن ويحظون باحترام كبير من أقرانهم كونهم من مقاتلي الرصافة تلك الموقعة التي تشكل قيمة معنوية كبيرة في أنفس جميع الثوار.
شـهــــداء موحسن يفتحون أبواب المـرحلة الجديدة للنضال الثـوري في ديــــــر الـــــزور
استقبلت مدينة موحسن جثامين شهدائها على دفعات في محاولة من أجهزة المخابرات تنفيس الاحتقان الناجم عن استشهاد أبنائها، وحاولت بهذه العملية مساومة ذوي الشهداء. وعلى حيز خاص من الأرض داخل مقبرة موحسن دفن خمسة عشر شهيداً، وعلِم الجميع أن الرصافة هي البداية وأن الثورة في ديرالزور دخلــت مرحلــــة جديدة.
من قلب المعركة وعلى لسان شهيدها الحي الملازم أول همام الرمضان
خاض همام المعركة مع رفاقه ونجا منها بأعجوبة ليودع رفاقه بعد معركة خالدة في تاريخ الثورة السورية ويروي همام التفاصيل أيقظني الشهيد يوسف الستيفان حوالي التاسعة والنصف من ذلك الصباح الذي لن أنساه أبداً، وصاح بأننا محاصرون بالدبابات، وبعدها بدقائق اخترقت أول قذيفة الحائط الخارجي
واستشهد ابراهيم الحميدي على الفور، كنا مجموعة مؤلفة من 14 مقاتلاً، وكانت باقي المجموعات موزعةً في الشقق المجاورة, لم نعلم عنها شيئاً إلا بعد انتهاء المعركة.حمل عبد المنعم البرجس سلاحه ونزل إلى باب البناية واشتبك مع قوات الأسد ليستشهد خلال ذلك، وصعد محمود الجاجان إلى السطح وقاتل حتى استشهد.
ويكمل: توزعنا داخل الشقة في محاولة منا للصمود إلا أننا أنهكنا بالقنابل المقذوفة، نزلنا إلى الطابق الثاني وعندما دفعتُ باب إحدى الشقق رأيت جندياً أمامي فألقيتُ به إلى الأرض واستطعت انتزاع سلاحه وذخيرته وقنبلة يدوية كانت بحوزته، توسل هذا الجندي إلينا أن لا نقتله وكذلك فعلنا واختبأنا داخل الشقة.. كانت ذخيرتنا القليلة قد نفدت ففكرنا بالنزول إلى الشارع والهروب باتجاه الغرب إلى مدخل بناء مجاور، وأصر يوسف على النزول أولا، و نزل ليستشهد بجانب عبد المنعم، وأصيب محمد علاوي أو أبو علاوي كما اشتهر بعد أن أسقط أول طائرة ميغ في سوريا بعد هذه الحادثة بأشهر .تقدم أربعة جنود من يوسف فألقيت بقنبلة نحوهم ورمى حمزة الرملي ديناميتاً وأسرعنا إلى الشقة مرة أخرى، لا أعرف ماذا حدث في الأسفل لكنني علمت لاحقاً أن الجنود الذين اقتربوا من يوسف قتلوا بقنبلتي وديناميت حمزة، وداخل الشقة وقفنا وراء الباب نصوّب أسلحتنا متأهبين لأي اقتحام، وكان الجندي أحمد ما يزال معنا، أخبرنا أنه من درعا وأن الجيش الأسدي قتل أباه وأخاه، وقال بأنه سيساعدنا إن تركناه يخرج، وقدم سبحة كان يحملها كعهد أنه لن يغدر بنا، وفعلاً كان خروجه هو الفرصة التي أنقذتنا ذلك اليوم، خرج أحمد وكنا نسمع من يناديه باسمه وسمعناه يصيح أن لا أحد في الشقة، وبعد أن تأكدنا من انسحاب قوات الأسد, غادرنا المنطقة لنعرف بعد ذلك من استشهد من رفاقنا في المجموعات الأخرى ومن بقي حيا.
الحرية بأبجدية ماهر الغالي:
انضم ماهر الغالي إلى الجيش الحر بعد انشقاقه عن الجيش الأسدي، وحملت قصة استشهاده دلالات بليغة، حيث جرح بجروح خطيرة، نقله رفاقه إثرها إلى بناء مجاور أثناء المعركة، وأدرك أن لا أمل له بالحياة فطلب ممن حملوه أن يُترك في مكانه، وتوسل إليهم ان يتركوه وينجوا بأنفسهم، وقبل أن يلفظ ماهر أنفاسه الأخيرة كتب بدمه كلمة حرية التي سحرت السوريين، ودفعتهم للخروج بثورة تقترب من الخيال.
الحــــــاج محمــــــــود المحيســـن .. جثمان الشــــــهيد الذي وصــــــــل حلب ثم عاد إلى جــــــــوار رفاقه
اختطفت عناصر الأمن جثث الشهداء بعد معركة الرصافة واحتفظت بها بطريقة مهينة، حيث كوّمت الجثامين فوق بعضها داخل براد المشفى، مما سبب صعوبة في تمييز الشهداء عن بعضهم، حمل ذوو الشهيد محمد السخني جثة الحاج محمود على أنها جثة ابنهم، وسافروا بها إلى حلب، وهناك تكتشف العائلة الخطأ الذي وقعت فيه، لتعود بعد ذلك جثة الحاج محمود إلى دير الزور.
كان الحاج محمود قبل الثورة مدرساً للرسم ومع اندلاعها قاد المظاهرات انطلاقاً من حي المطار القديم معقل الثورة أيام المظاهرات السلمية، وبعد دخول الجيش إلى دير الزور, حمل الحاج محمود السلاح، ليكون بعد ذلك أحد أهم القادة في تاريخ الثورة في دير الزور.. يرقد الحاج محمود الآن في مقبرة شهداء موحسن إلى جانب رفاقه الذين أحبوه وأحبهم، والذين ضحى بحياته من أجلهم، ولم يرضَ إلا أن يكون إلى جانبهم ساعة حصارهم في يوم الرصافة الملحمي.