ليست نصيحةً جيّدة، لباحثٍ عن التسلية أو فضوليٍّ في شؤون الجماعات غريبة الأطوار، أن يتوقف عند نظريات الحزب السوري القومي الاجتماعي، لولا بعض الإثارة التي يتيحها النظر إلى خريطة "الوطن السوريّ" المزعوم، في تجاهلها لحقائق الاجتماع والجغرافيا والتاريخ، وجرأة خيال صانعها الذي أضاف جزيرة قبرص من البحر المتوسط، وسيناء من مصر على حدود القارة الأفريقية، وكامل العراق، وأجزاء معتبرةً من السعودية وإيران وتركيا، إلى بلاد الشام لتشكل الوطن الذي تسعى رسالة الحزب لتحقيقه! ولنتخيّل تلك الأمة المؤلفة من قبارصةٍ يونانيين وقبارصةٍ أتراك، وشيعةٍ إيرانيين وشيعةٍ من العراق، وبدوٍ من سيناء وبدوٍ من السعودية، يضاف إليهم صابئةٌ ويهودٌ وبهائيةٌ وسامريون ومسيحيون ودروزٌ ويزيديون وسنةٌ عرب ومسيحيون أرمن وآشوريون وكلدان وشركسٌ وأكرادٌ وتركمان، وغير ذلك مما لذّ وطاب من أعراقٍ وأجناسٍ وأديانٍ وطوائف، تضمّه هذه الخريطة المغامرة كما تغامر أحلام الأطفال قبل النوم أو خلاله. ولنتخيل كذلك ثورةً شعبيةً ضد نظام حكم هؤلاء القوميين السوريين الشموليّ؛ فيرفس متظاهرٌ غاضبٌ في عبّادان على الخليج صورةً كبيرةً للزعيم أنطون سعادة، وتحرق جموعٌ غاضبةٌ في أورفا التركية مبنى منفذية الحزب هناك، ويقبض بدو سيناء على ضابط مخابراتٍ مارونيٍّ من بشرّي، ولا يتركون له ما يكفي من اللحظات ليردّد: "الحياة وقفة عزٍ فقط"، كما دمدم المؤسّس قبل إعدامه منذ أكثر من ستة عقود. والأشدّ غرابةً من كل ما سبق هو نجاة هذه الجماعة من الانقراض، بل تمدّدها النسبيّ في بعض مناطق الساحل السوريّ وريف حمص.