عائشة حر*/ جريدة راديكال
ترجمة بتصرّف: بكر صدقي
استطاع التنظيم الإرهابيّ المسمّى "داعش" أن يحتلّ وسائل الإعلام بواسطة إعداماته المصوّرة على أشرطة فيديو، بقطع رؤوس أسراه ورهائنه. رقمياً، لا تساوي هذه الإعدامات نقطةً في بحر تاريخ قطع الرؤوس في مختلف أرجاء العالم. في هذه العجالة سردٌ لبعض الوقائع المتصلة في عددٍ من الدول.
خاصٌّ بالنبلاء
كان قطع الرؤوس وسيلةً شائعةً للمعاقبة منذ العصور القديمة. كان السلت، مثلاً، يقطعون الرؤوس بكثرةٍ إلى درجة أن الرومان عاشوا صدمةً ثقافيةً حين احتلوا أراضي السلتيين، فمنعوا عليهم قطع الرؤوس. ليس لأنهم رأوا في قطع الرؤوس عملاً همجياً، بل لأن الرومان اعتادوا على اعتبار هذه الطريقة في الإعدام لا تليق إلا بالنبلاء والأشراف. وفي الإمبراطورية الرومانية اقتصر تطبيق هذا العقاب على الرومان وحدهم، وخاصةً أولئك الذين عارضوا الحكام، كالسياسي بومبي والخطيب شيشيرون. أما عامة الشعب فكانوا يقتلون بالسيف أو تبقر بطونهم بسكين أو يصلبون.
فقطع الرأس بواسطة سيفٍ أو فأسٍ كان يمنح الشخص ميتةً كريمة. لأن هاتين الأداتين، إذا كان لهما نصلان رهيفان واستخدمهما جلادان ماهران، كانتا تمنحان الضحية ميتة بلا ألمٍ بالقياس إلى وسائل القتل الأخرى. وكان النبلاء، أو المحاربون المحكوم عليهم بالإعدام بقطع الرأس، يدفعون مبالغ كبيرةً للشخص المكلف بقطع رؤوسهم، لكي ينجز عمله بضربة واحدة. مع ذلك تطلب الأمر ثلاث محاولاتٍ حتى تم قطع رأسَي كلٍّ من النبيل البريطاني ديفيرو وملكة إسكتلندا ماري. بل كان هناك من هم أسوأ حظاً: لم يتمكن الجلاد من إتمام قطع رأس كونتيسة سالزبوري مارغريت إلا بعشر ضربات.
المقصلة الفرنسية
قبل الثورة الفرنسية في 1789، كان يتم إعدام النبلاء في فرنسا بقطع الرأس، والعامة شنقاً. أما قادة الثورة فقد منحوا عامة الشعب المساواة في الموت مع طبقة النبلاء، فكانت المقصلة الشهيرة عنوان هذه المساواة. حملت هذه الآلة اسم مخترعها "غيوتين"، وكانت تمنح الضحية ميتةً سريعة وبلا ألم، خاليةً من الخطأ البشري. غير أن المقصلة استهدفت أكثر ما استهدفت أبناء الثورة أنفسهم. في عهد الإرهاب (أيار 1793- تموز 1794) تمّ إعدام أكثر من أربعين ألف شخص، خمسة عشر ألفاً منهم بواسطة المقصلة. أما البقية فقد أعدموا شنقاً. وكانت الإعدامات تنفّذ في ساحاتٍ كبيرةٍ أمام أنظار آلاف الأشخاص في استعراضاتٍ رعب رهيبة.
أما المستعمرون الأوروبيون فقد استخدموا الإعدام بقطع الرؤوس، في المستعمرات، بطريقةٍ مهينةٍ جداً. فقد كانوا يعلقون الرؤوس فوق عصيٍّ ويشهرونها أمام الأنظار لتحقير المهزومين إلى أقصى حد.
ظـلّ قطع الـرؤوس الوســيلة الرسمية المعتمدة للإعدام في بريطانيا إلى العام 1747، وفي فنلندا إلى 1825، وفي النروج إلى 1905، وفي الدانمرك إلى 1892. وبقيت المقصلة في الاستخدام في الجزائر وبلجيكا واليونان وإيطاليا إلى العام 1875؛ وفي لوكسمبورغ وموناكو وسويسرا إلى العام 1940؛ وفي السويد وتونس وفييتنام إلى 1960. أما في موطنها الأصليّ فرنسا، فقد ظلت المقصلة مستخدمةً قانوناً إلى العام 1977. أما في ألمانيا فقد استخدموا "الفأس الساقط" في قطع الرؤوس منذ القرن السابع عشر، وهي الآلة التي قطعت رأس 16500 شخص في العهد النازيّ. استخدم الفأس الساقط هذا للمرّة الأخيرة في ألمانيا الغربية في العام 1949، وفي ألمانيا الشرقية في العام 1967.
وسائل مختلفة في الصين واليابان
جنودٌ يابانيون يقطعون رؤوس أسرى منشوريين، وزملاؤهم يشاهدون هذا الاحتفال الدموي (1894)
كان قطع الرؤوس في الصين يعدّ وسيلةً أقلّ كرامةً من الشنق أو القتل بواسطة السمّ. لأن الجسد، في العقائد الكونفشيوسية، هبةٌ من الأبوين لا يجوز انتقاله إلى العالم الآخر بعد تخريب وحدته وكماله، فهذا مما يعتبر من قلة الاحترام للأسلاف. لهذا السبب لم يُستخدم قطع الرأس إلا حين يتعلق الأمر بجرائم فظيعة. بوصول الشيوعيين إلى الحكم، في العام 1949، تم إلغاء جميع أشكال الإعدام لمصلحة شكلٍ وحيدٍ هو الرمي بالرصاص.
بالمقابل، كان قطع الرأس وسيلةً شائعةً جداً في اليابان حتى القرن التاسع عشر. كان النبلاء الإقطاعيون (الساموراي) يقطعون رؤوس الجنود الفارّين من الحرب. إضافةً إلى ذلك، كان قطع الرؤوس جزءاً من الطقس المعروف باسم هاراكيري.
* مؤرّخة تركية.