بعد الموصل والرقة.. لا خطط لطرد داعش من دير الزور

المقدم محمد العبود*

بانطلاق الحملة العسكرية لانتزاع مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش تتجه الأنظار إلى دير الزور لرصد انسحابات مقاتلين أو عائلاتهم من العراق إلى سورية، لأن دير الزور هي الممرّ المحتمل لهذه الانسحابات بفعل موقعها الجغرافيّ على خريطة «دولة داعش».

وسوى مرور عائلاتٍ وأفرادٍ من العراقيين الهاربين من الحرب إلى سورية فتركيا، لم تلحظ إلى الآن مشاهداتٌ غير معتادةٍ في حركة التنقل عبر مدينة البوكمال الحدودية، رغم دخول عملية الموصل أسبوعها الثالث، ولم تسجل تدفقاتٌ من أي حجمٍ لمقاتلين من داعش انسحبوا أو هربوا من معركة الموصل. كما لم تسجل حركةٌ طارئةٌ لمؤازراتٍ أو نجدة عتادٍ ومقاتلين من سورية إلى العراق، عبر البوكمال على الأقل. ولم يبلّغ مسؤولو داعش ذوي المقاتلين السوريين في العراق عن أعداد قتلى متزايدةٍ سقطوا في الأيام الأخيرة هناك. وفي حال هزمت داعش أو شارفت على الهزيمة في الموصل، وهو الاحتمال المؤكد بطبيعة الحال، فإنها، بما تملكه من خبراتٍ خاصة، ستكون قادرةً على التخطيط الجيد لانسحاباتٍ منظمةٍ ومتتاليةٍ لحوالي 5000 أو أكثر بقليلٍ من عناصرها في الموصل. وهي، بما تسيطر عليه من أرضٍ وحواضر ستظل شاسعةً في سورية وفي العراق بعد فقدانها الموصل والرقة معاً، ستكون قادرةً أيضاً على توزيعٍ متناسبٍ لمقاتليها المنسحبين على هذه الأرض، توزيعاً لن يكون متورّماً في دير الزور أو غيرها كما تذهب بعض الفرضيات.

ومن المؤسف أن لا تذكر محافظة دير الزور إلا بعدّها مسرحاً ثانوياً في الصراع، تُدمَّر الجسور والمعابر الطرقية فيه، فقط لكي تعاق حركة تنظيم داعش أو تبطأ من سرعة أرتاله، في تحضيرٍ لمعارك ستندلع في مناطق أخرى. ومن المؤسف أن تغيب دير الزور عن أيّ أولوياتٍ جادةٍ لأيٍّ من الدول الصديقة للشعب السوريّ في تعاطيها مع قضية داعش، رغم ضرورة التخطيط والتحضير الباكر لهزيمة التنظيم في هذه المحافظة. وستشكل دير الزور، في حال ظلت مستبعدةً عن قائمة الاهتمام الدولي، عاصمةً جديدةً للتنظيم بعد خسارته القادمة للموصل والرقة، عاصمتيه الحاليتين. أما إن تغيرت المخططات وأوليت دير الزور ما توجبه قيمتها الاقتصادية والجغرافية والبشرية الكبرى من اهتمام، بجعل تحريرها هدفاً قريباً، فإن عمر داعش بشكلها الحاليّ –دولة- سينقص إلى حدٍّ كبير.

يصعب التنبؤ بالآثار العملية لهزيمة داعش في الموصل وفي الرقة على قوة التنظيم وتماسكه في دير الزور، خاصةً مع قدرته الدعائية –ربما وقاحته- على تبرير الهزائم دوماً بمبرّرات (المحنة، هذه جولة فقط، الأرض غير مهمة مقابل إقامة الدين، هذه ليست المعركة المقصودة) وغيرها، مثلما برّر هزيمته النكراء مؤخراً في مرج دابق ذي الأهمية الرمزية الكبرى في أدبياته. لكن، ومهما بلغت داعش من ضعفٍ بعد تلك الضربات الموجعة، فإن قوةً وحيدةً هي الأجدر بأن تحرّر محافظة دير الزور، هي الجيش الحرّ بمقاتليه من أبناء المحافظة في حال مكّنتهم الظروف من بناء جسمٍ عسكريٍّ منضبطٍ وموحد. كما سيكون لأحوال المناطق السورية بعد طرد داعش، ونوع القوى البديلة عنها وسلوكها في هذه المناطق، دورٌ أساسيٌّ في نجاح أيّ عملٍ ضد داعش في دير الزور ودوام نتائجه. إذ سيؤدي أي استبدالٍ لاحتلالاتٍ أخرى باحتلال داعش إلى تعميق دعواها في المجتمعات السنّية، مما يرفع من معدلات الخطر بعودة التنظيم، أو ولادته من جديدٍ كما حدث في العراق، حين أسهمت الممارسات الطائفية وسوء الإدارة والفساد في المناطق التي هزم أبناؤها «الدولة الإسلامية في العراق» خلال النصف الثاني من العقد الماضي، في عودة هذه «الدولة» سريعاً أول هذا العقد.

يوحي الإهمال الدوليّ الذي تلقاه محافظة دير الزور اليوم بمصيرٍ بائسٍ لأهلها، يُتركون فيه لتنظيم داعش الذي لن يشكّل، مع انحساره المرجّح في سورية إلى دير الزور وأجزاء واسعةٍ من البادية، أيّ خطرٍ على أيّ دولة، ولن تثير معاناة الناس وآلامهم استجابةً مؤثرة. لتصير داعش في دير الزور قضيةً يستعملها نظام الأسد لمساومة المجتمع الدوليّ، ويُخشى وقتها من اهتمامٍ روسيٍّ مركّزٍ ومفاجئٍ يمكّن النظام من التمدد من جيب سيطرته الحالية هناك، مثلما حدث قبل أشهرٍ في مدينة تدمر.

* قائد المجلس العسكري الثوري في دير الزور، ثم قائد الجبهة الشرقية، عضو الوفد المفاوض للهيئة العليا للمفاوضات.