انتصارات إدلب، نحو مرحلةٍ جديدةٍ في الثورة

يسقط النظام إن انتصر الثوّار في الساحل أو دمشق

ستنقل الهزائم العسكرية الأخيرة التي منيت بها قوّات الأسد الصراع إلى مرحلةٍ جديدةٍ يبدو أن النظام آخذٌ في الاعتراف بها كواقعٍ جديدٍ سيعمل على التكيّف مع معطياته للحفاظ على معاقله الأخيرة في الساحل والعاصمة دمشق والشريط الممتدّ بينهما.

كانت النتائج التي حققها جيش الفتح، بطرده قوّات الأسد من أريحا، وقبلها جسر الشغور وإدلب، والمعارك الممهّدة واللاحقة لها، باهرةً إلى حدٍّ كبيرٍ. إذ جعلت من الجغرافيا الثمينة للنظام، في كلٍّ من جبال الساحل وسهل الغاب، مكشوفةً لهجمات الثوّار. مما يجبره على اتخاذ أجزائها الطرفية خطوط دفاعٍ أولى، وربما أخيرةٍ، عن القرداحة التي يراها معظم مؤيدي النظام عاصمةً معنويةَ له.

وفي أيّ وقتٍ يراه الثوار مناسباً، قد تشتعل جبهات الساحل أو جبهات الجنوب صوب دمشق، وهما الجبهتان الأشدّ أهميةً على الإطلاق، فهزيمة الأسد في أيٍّ منهما تعني خسارته النهائية للحرب. فيما تحمل الانتصارات المحتملة للثوّار على جبهات حلب وريف حماة الشماليّ وحوران وما تبقى للأسد في إدلب، مؤكّداتٍ إضافيةً على فقدان نظام الأسد لزمام المبادرة وفشله في جوانب عدّة.

عسكرياً:

بدت الخسائر البشرية الكبيرة المتلاحقة في صفوف جيش الأسد غير قابلةٍ للتعويض، وخاصّةً لدى حاضنته الشعبية المتمثلة في أبناء الطائفة العلوية الذين شكّلوا رأس حربة قوّاته المتضمّنة لطيفٍ دينيٍّ وعرقيٍّ متنوّعٍ في عديدها. وتكشف الحملات الأخيرة لحضّ الشبّان على الالتحاق بـ"الجيش"، والأرقام المسرّبة عن عدد المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، عن النقص العدديّ الكبير الذي تعاني منه قوّات الأسد، والذي لم تخفف منه -إلا بقدرٍ محدودٍ وفي مناطق بعينها- قوّات حزب الله اللبنانيّ والميليشيات الشيعية الأخرى متعدّدة الجنسيات. مع الإشارة إلى الفشل الذريع الذي منيت به هذه القوّات في هجوميها على جبهات الجنوب، في درعا والقنيطرة، وجبهات الشمال في حلب، رغم التحشيد والإصرار من جانب هذه القوّات في كلا الهجمتين. ولم يكن لمجاميع الشبّيحة المنضوين فيما يسمّى بالدفاع الوطنيّ أو المقاومة السورية، وغير ذلك، أدنى تأثيرٍ في غالب الحالات، إن لم تكن قد تركت تأثيراً سلبياً في بعضها.

خسارةٌ عسكريةٌ أخرى منيت بها قوّات الأسد، تمثلت في العدد الهائل للمدرّعات التي دمّرها الثوّار، وخاصّةً في معارك إدلب، بواسطة صواريخ (التاو) الموجّهة التي كانت أحد العوامل الحاسمة في المواجهات. ولا يبدو أن هيئة أركان الأسد ومستشاريه الأجانب في وارد التغلب عليها خلال وقتٍ قريبٍ. ورغم الدمار الهائل الذي تلحقه الطائرات الأسدية في المدن المحرّرة، ورغم ما قامت به هذه الطائرات من تأمين غطاءٍ جويٍّ لأرتال المؤازرة، الا أنها لم تخلق فارقاً كبيراً يغيّر من مجريات المعارك أو نتائجها. بل إنها لم تخفّف، إلا بقدرٍ ضئيلٍ، من فعالية الحصار في كلّ مرّةٍ تنعزل فيها إحدى حاميات الأسد في أحد المواقع.

سياسياً:

فشلت السياسة الانتهازية التي اتبعها نظام بشار تجاه المجتمع الدوليّ، بتخويف العالم من خطر "الإرهاب"، ومطالبته بوكالةٍ حصريةٍ لمواجهته. ولم تحدث أية صفقةٍ تضمن بقاء الأسد، رغم التراخي والإشارات المتناقضة التي تبديها الإدارة الأمريكية بين حينٍ وآخر. بالتزامن مع فشل رهان النظام على انفراط عقد المحور الأشدّ تأييداً للثورة السورية، أو تراخي أيٍّ من دوله في هذا الشأن. إذ لم تخفّف السعودية أو قطر أو تركيا أو فرنسا من مواقفها من النظام، بل، على العكس، عملت هذه الدول، ولأوّل مرّةٍ منذ اندلاع الثورة، على توحيد جهودها وتنسيق آليات عملها في دعم الثوار.

نفسياً:

إن الانكسارات الأليمة والمتتالية لقوّات الأسد خلال الشهرين الأخيرين، وما رافق ذلك من عجز النظام عن الوفاء بأيٍّ من وعوده، وأهمها الوعد الذي أطلقه رأس النظام باسترجاع السيطرة وفكّ الحصار عن جنوده في مشفى جسر الشغور، وكذلك قوافل التوابيت المنقولة إلى قرى وبلدات الساحلّ السوريّ؛ كلّ ذلك دفع مؤيدي الأسد إلى حافةٍ من اليأس وانعدام الثقة نهائياً في قدرة النظام على إحراز انتصاراتٍ هامة. وربما يتحوّل هذا اليأس، في القريب العاجل، إلى سلوكٍ لن يكون مؤيداً للثورة بطبيعة الحال، ولكنه سيدفع من تبقّى من شبان الساحل إلى عدم الزجّ بأنفسهم في المحرقة.