الممانعة كهوية، التطبيع كخيانةٍ استنسابيةٍ

لا يمرّ علينا يومٌ لا ننضربُ فيه بخبرٍ على أمّ رؤوسنا. لا أقصد فقط أخبار المجازر اليومية التي يرتكبها، بحقّ السوريين، العدو الأسديّ – الروسيّ – الإيرانيّ. فهذا مما يبذل «المجتمع الدولي» كل جهوده لتطبيعه في وعينا، أي تعويدنا عليها بفعل تواترها اليوميّ الرهيب، وتحول ضحاياها إلى مجرّد أرقامٍ بلا ملامح.

أقصد، بالأحرى، أخباراً من نوع إهداء المجرم الروسيّ فلاديمير بوتين دبابةً كان غنمها الجيش الأسديّ في معركة السلطان يعقوب، في إطار حرب إسرائيل على لبنان في العام 1982، إلى إسرائيل. يبدو أن الرجل اعتبر تصرّفه بما لا يملك التصرّف به أمراً طبيعياً بعد «مأسسة» تبعية نظام الكيماويّ لموسكو في الاتفاق المشين الذي وقعه بشار الصيف الماضي.

وإذا ربطنا الدلالة الرمزية الكبيرة لهذا الحدث بآخر سبقه قبل أشهرٍ قليلة، ويفوق في أهمية دلالته دلالة الأول، تمثل في عقد اجتماعٍ للحكومة الإسرائيلية في هضبة الجولان السورية المحتلة؛ أصبحنا جاهزين، عملياً ونفسياً، لتلقي الضربة الجديدة على الرأس، وهذه المرّة من أبواق ما يسمّى بالممانعة التي التزمت صمت القبور أمام الحدثين السابقين، كما ستواصل صمتها هذا أمام خبر المناورات العسكرية المشتركة بين قاعدتي أشدود الإسرائيلية وحميميم السورية - الروسية، والتي ستبدأ قريباً وفقاً لموقع ديبكا الإسرائيلي.

سيتنفس أبواق الممانعة الصعداء، أخيراً، بعد كلّ ذلك الكبت، فيفتحون النار على أمين معلوف بسبب ظهوره التلفزيونيّ على إحدى القنوات الإسرائيلية. فيلتهب كتبة جريدة الأخبار الإيرانية التي تصدر في بيروت حماساً ضد التطبيع، وتتشكل لجنةٌ بيروتيةٌ مقاومةٌ لمعاقبة الكاتب العالميّ، بقيادة الممثلة المعادية للسامية/ المؤيدة للنازية الأسدية نضال الأشقر، ومعها رهطٌ من صحبها من المثقفين اللبنانيين المؤيدين لتدمير سوريا وقتل شعبها وتجريفه خارج الجغرافيا على يد طفلهم المعجزة في قصر المهاجرين.

يا لفظاعة ما ارتكبه أمين معلوف! تطبيعٌ مع العدو الصهيوني الغاشم! (مين مفكِّر حالك حتى نسمحلك بالتطبيع؟) ألا يعرف عضو الأكاديمية الفرنسية الحائز على جائزة غونكور أن التطبيع حكرٌ على الممانعين وحدهم، بوصفه فعل مقاومة؟ ألا يدري أمين معلوف أنه يجوز لإيران الخمينية الحصول على السلاح، عبر الوسيط الإسرائيليّ، في ما سمّي «إيران غيت» إبان الحرب العراقية – الإيرانية، في ثمانينات القرن الماضي، ولا يجوز للسوريين الذين تحاصرهم قوات بشار الكيماوي أن يتلقوا إغاثةً غذائيةً ألقتها لهم الطائرات الإسرائيلية، بعدما تراجعت الدول العظمى عن خطتها في إلقاء المساعدات على المناطق المحاصرة من الجوّ بسبب عدم حصولها على موافقة بشار الكيماوي؟ ألا يعرف أمين معلوف أن تطبيعه خيانةٌ موصوفةٌ مقابل الحسّ المقاوم لدى رامي مخلوف الذي ربط أمن نظام الشبيحة والقتلة بأمن الشقيقة إسرائيل، منذ ربيع العام 2011؟

التطبيع، إذاً، ليس تعريفاً مجرّداً ينطبق على كلّ من يتعاطى مع إسرائيل بأيّ مستوىً أو مجالٍ أو شكل، بل هو، كما نفهم من الأمثلة المذكورة أعلاه، فعلٌ استنسابيٌّ يتحدد بهوية الفاعل لا بفعل التطبيع بذاته. فالممانعون، هويةً، يمكنهم الحصول على السلاح من إسرائيل لمقاتلة العراق، ولا يسمّى هذا تطبيعاً. يكفي أن تكون إيرانياً أو شيعياً –مثلاً لا حصراً- لتكون طليق اليدين في فعل ما يعدّ تطبيعاً وخيانةً إذا ارتكبه خصومك، أو حتى جهة حيادية لا خصومة لها مع العِرْق الممانع، كحال أمين معلوف. ويحقّ لرامي مخلوف، ابن خال رامي البراميل، الاستنجاد بإسرائيل ورعاتها لإنقاذ نظامه من الشعب السوريّ، في حين أن حصول جرحى سوريين على معالجةٍ طبيةٍ، لم يطلبوها، في المستشفيات الإسرائيلية هو دليلٌ قاطعٌ على أن ثورة الحرية والكرامة التي أطلقها الشعب السوريّ ليست غير حملةٍ إسرائيليةٍ لإسقاط رامي مخلوف ورامي البراميل معاً.. وهكذا..

فهل يحقّ لنا الاستغراب، بعد كل هذا، أمام الخبر الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية عن «ازدحام العيادات النفسية في دمشق، وإقبال على المهدئات»؟ وفي العنوان الفرعيّ نقرأ: «سوريا تحتاج إلى 500 طبيب نفسي، والموجود 40 فقط».

هذا في دمشق، ووفق تقديراتٍ غير دقيقة. فهناك احتياجاتٌ متزايدةٌ للطب النفسيّ في كل سوريا والمنافي، إذا كان هناك، مثلاً، من يبلغ به العته حدّ القول بكردية منبج و«مابوك»ـية اسمها!

والله جننتونا لو..