- الرئيسية
- مقالات
- رأي
المثقفون ودورهم في الثورة
عام 1970 تسلم الحزب الاشتراكي في تشيلي، مع حلفائه، الحكم بعد انتخابات ديمقراطية. وبعد ثلاث سنوات قام الجنرال بينوشيه، مدعوماً من الولايات المتحدة، بانقلابه الشهير على الليندي. وكان بين من لوحق إثر ذلك أحد أشهر شعراء العالم وقتها، بابلو نيرودا. وفي عام 1936 اغتيل في إسبانيا الشاعر الشهير فيديريكو غارثيا لوركا. هذان مثالان عن مشاركة المثقفين في هموم الشعوب المظلومة، ذكرني بهما ما آل إليه وضع الثورة السورية وهجرة مثقفيها إلى تركيا وأوروبا.
في مقتلتنا في الثمانينيات كان لي صديق أتشارك معه السخرية من المثقفين الذين كانوا يحفظون بضع جمل، أو أسماء بعض المفكرين والفلاسفة العرب أو الأجانب، ثم يرددونها أمام الناس كي يحوزوا شهرة وتقديراً أكبر من واقعهم. حتى وصل بنا الأمر إلى السخرية من مشاهير المفكرين أمثال عبد الله العروي وياسين الحافظ ومحمد عابد الجابري وميشيل فوكو وفرويد وغيرهم. وكان هذا لغرض المزاح وتغيير المزاج، وللخروج من النمطية التي يفرضها جو السجن. وبعد خروجنا من المعتقل كنا نتردد إلى المقاهي في أوقات فراغنا، مما أتاح لنا الفرصة للتعرف إلى بعض المثقفين. لكن أغلب هؤلاء كانت سمتهم الظاهرة هي «الهرب» من واجبهم في مقاومة الاستبداد، فكانوا يكتبون عن النقد الأدبي والبنيوية والأنثروبولوجيا والأركيولوجيا وغيرها من الكلمات الشائعة في الثقافة الأوروبية وليست لها علاقة بهموم الشعب السوري. وكانوا يتكلمون عن فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان ويصمتون عما يتعلق بسورية.
وفي عام 2002 قام الصهاينة بمحاصرة مخيم جنين في فلسطين تمهيداً لاقتحامه، وقد انطلقت أكثر من مظاهرة في حلب تندد بهذا الحصار وبموقف الحكام العرب المتخاذل. وفي هذا الوقت كان من يسمون أنفسهم «المثقفين» يطلون من المقاهي المشرفة على ساحة سعد الله الجابري وهم يشربون القهوة، وبعضهم يسخر من المظاهرة، ولم يخطر في بالهم المشاركة في موضوع يتعلق بفلسطين خوفاً من المخابرات الذين كانوا موجودين وكان مصورهم يلتقط الصور للمتظاهرين الذين كان عدد جيد منهم من «خريجي» المعتقلات.
كان المثقفون يتأكلهم الخوف واليأس والكآبة من النظام الوحشي ويكيلون الاتهامات –سراً- للشعب الخانع لهذا الاستبداد الذي لا نهاية له. غير أن انفجار الشعب السوري في غضبته الكبرى، وثورته على الاستبداد والطغيان والتمييز الطائفي ومطالبته بالحرية والكرامة والعدالة، فاجأ الأغلبية الساحقة من المهتمين بالشأن العام وأولهم المثقفون!!
كان الشعب يخوض تحديه للسلطة في مظاهرات عارمة، يسقط في محصلتها شهداء وجرحى ويغيب معتقلون، ثم يعاودون الكرّة في الجمعة التالية، إلى أن أصبحت المظاهرات يومية، كل ذلك وأغلبية المثقفين مشدوهون! فمنهم من كان يؤيد السلطة ويدافع عنها ويقتات على موائدها ويكتب التقارير الأمنية لها، ومنهم من كان يشاهد المظاهرات من على شاشات التلفزيون أو الإنترنت، وقلة منهم شاركت فيها ودفعت ثمناً غالياً: حياتها أو المعتقلات. وقد انسحب المثقفون من المشهد الثوري مهاجرين إلى تركيا أو أوروبا، وهناك بدأوا الكتابة في الصحف والمجلات والظهور على شاشة التلفاز، يتكلمون عن الثورة والجرحى والقتلى والحرب، ويحللون المواقف، وينتقدون بعضهم، ثم يخلدون للنوم على أسرّتهم الوثيرة مرتاحي البال وربما... الضمير!
في حين كان يجب عليهم البقاء منذ البداية لتشكيل التجمعات أو الأحزاب، أو حتى الانضمام إلى الفصائل العسكرية، ليكون لهذه الثورة جسم سياسي ثوري في الداخل بدلاً من هذه الأشكال الحالية التي أصبحت صدى لسياسات الدول الإقليمية والدولية وليست لها علاقة بالشعب السوري!