القضية السورية... بين اجتماعات فيينا وأنطاليا واعتداءات باريس

شهدت العاصمة النمساوية فيينا الجولة الثانية من المباحثات الموسّعة لممثلي الدول والهيئات المعنيّة بالملف السوريّ، تحت اسم المجموعة الدولية لدعم سوريا. وفي حين جاء هذا الاجتماع كتتمةٍ لاجتماعَي فيينا 1 و2 من ناحية محاولات إيجاد صيغةٍ توافقيةٍ بين الدول الكبرى حول الملفات السياسية العالقة في القضية السورية؛ سلّطت عمليات باريس الإرهابية، التي تبناها تنظيم داعش، الضوء مجدّداً على نتائج سوء الإدارة والفهم الدوليين للملف السوريّ، وهو ما استحوذ أيضاً على مباحثات قادة الدول الاقتصادية العشرين الكبرى الذين اجتمعوا في مدينة أنطاليا التركية.

فيينا3: التوافق الشكليّ على حساب الواقع

بعد مباحثاتٍ وُصفت بالمعقدة، شدّد المؤتمرون مجدّداً على ضرورة التوصل إلى حلٍّ سياسيٍّ بهدف إنهاء الصراع في سوريا. وفي سبيل ذلك اتفقوا على العديد من المسائل الإجرائية وفق ما يمكن اعتباره جدولاً زمنياً، أبرزها:

  • تسريع الجهود خلال الشهر القادم لبدء مفاوضاتٍ بين المعارضة والنظام تفضي في النهاية إلى "عمليةٍ سياسيةٍ بقيادةٍ سوريةٍ، من شأنها إقامة حكمٍ شاملٍ ذي مصداقيةٍ وغير طائفيّ".
  • تعهد الدول المعنية اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لدعم تنفيذ وقف إطلاق نارٍ تحت إشراف مراقبين دوليين بالتزامن مع بدء المفاوضات السياسية، دون أن يشمل ذلك العمليات الهجومية ضدّ المجموعات المصنفة كمنظماتٍ إرهابيةٍ في الأمم المتحدة.
  • يتولى الأردن عملية المساعدة في وضع قائمةٍ للجماعات والتنظيمات الإرهابية.
  • يوضع جدولٌ زمنيٌّ وعمليٌّ لإعداد مسودة دستورٍ جديدٍ للبلاد بعد انتهاء المفاوضات وتشكيل "إدارة الحكم" الجديدة.
  • تُجرى انتخاباتٌ عادلةٌ وشاملةٌ تحت إشراف الأمم المتحدة بعد 18 شهراً من إقرار الدستور الجديد.

بناءً على ذلك يبدو أن الجديد الذي حققه مؤتمر فيينا3 هو التوافق على تزامن أربعة ملفاتٍ في الوقت ذاته؛ هي إطلاق العملية السياسية ووقف إطلاق النار والتخطيط للمرحلة الانتقالية والاستمرار في محاربة الإرهاب. بمعنى آخر، ليست مقرّرات المؤتمر إلا ترحيلاً لأهمّ التفاصيل الأساسية العالقة منذ بداية الثورة، كقضية رحيل الأسد و"حقه" بالترشح إلى الانتخابات، الذي لم يناقَش في الاجتماع وإنما اكتفت الأطراف الدولية بالتشبث كلٌّ حسب مواقفه تجاهه، ما شمل أيضاً موضوع العملية الانتقالية وتصنيف الجماعات الإرهابية. إذ خرجت العديد من تصريحات المحور الداعم للثورة لتؤكد ذلك، جاء أحدها على لسان وزير الخارجية السعوديّ الذي قال عقب المؤتمر إن بلاده تدعم عمليةً سياسيةً تفضي إلى رحيل الأسد، أو أنها ستواصل العمل لإبعاده بالقوّة. فيما تواصل الطائرات الروسية استهدافها المدنيين ومجموعات الجيش الحرّ في مختلف المناطق، في وقتٍ بات فيه ظهور قائد فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليمانيّ في ريف حلب الجنوبيّ، وغيرها من الجبهات، أمراً مألوفاً.

اعتداءات باريس ومؤتمر أنطاليا

إذا كانت مباحثات فيينا قد ركّزت على "التفاصيل" السياسية بصفتها العائق الأهمّ الذي يقف أمام الحلّ في سوريا، فإن المجزرة التي تبنى تنظيم داعش ارتكابها بحقّ المدنيين في باريس تكشف مجدّداً البعد العالميّ للقضية السورية. كما تؤشّر مجدداً وبشكلٍ واقعيٍّ إلى فشل الإستراتيجيات الغربية في المعالجة، خاصّةً من ناحية الفصل بين ملفّي محاربة داعش والعملية السياسية المزعومة.

وفي حين سارعت الطائرات الفرنسية إلى قصف الرقة كأولى ردود الفعل على اعتداءات باريس؛ خرج الرئيس الأمريكيّ ليدافع عن "إستراتيجيته الفعالة" التي "ستستغرق وقتاً" ضدّ داعش، مع حرصه الدائم على تأكيد عدم نشر قوّاتٍ أمريكيةٍ لأغراض قتاليةٍ ضدّ التنظيم. جاء ذلك على هامش قمة العشرين "الاقتصادية" التي انعقدت في أنطاليا، والتي تصدّرت قضايا محاربة داعش وأزمة اللاجئين جدول أعمالها.

وعلى ضوء ذلك لا يبدو أن الإدارة الأمريكية في وارد تغيير إستراتيجيتها تجاه الملف السوريّ والقضية الداعشية، إذ أشار العديد من المراقبين إلى أنّ هذه الادارة تسعى خلال السنة الباقية من عمرها في الحكم وراء هدف منع التنظيم من تنفيذ أيّ عملياتٍ تطال الأراضي والمواطنين الأمريكيين، عبر الضربات الجوّية والعمليات الاستخباراتية. وكذلك الحال بالنسبة إلى فرنسا وغيرها من الدول التي اتبعت سياسةً غير بعيدةٍ عن مثيلتها الأمريكية تجاه سوريا، أدّت في النهاية إلى الوضع الحاليّ في ما يتعلق بداعش خصوصاً. وهنا لا توجد العديد من المؤشرات حول انتهاج فرنسا سياسةً جديدةً مختلفةً وفعالةً في ما يخصّ داعش، رغم أنّ الموقف الفرنسيّ يميل في أغلب الأحيان إلى ربط القضاء على التنظيم مع رحيل النظام.

تحوّلت القضية السورية، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلى قضيةٍ عالمية، تعقد في سبيلها المؤتمرات التي تفضي إلى مؤتمراتٍ ضيقةٍ وموسّعةٍ أخرى. لكن، في النهاية، لا تحلّ المشاكل دون الرجوع إلى مسبّباتها.