- الرئيسية
- الأرشيف
- جولة المدينة
القصة الكاملة لـ"معركة الطحين"..لماذا بكى الساروت؟
بعض أفراد كتيبة شهداء البياضة
لم يكن عبد الباسط الساروت، منشد الثورة في حمص وحارس مرمى فريق "الكرامة" لكرة القدم سابقاً؛ يعلم ما ينتظره من حزنٍ وشعورٍ بالخذلان، بعد جهدٍ دام أسابيع طويلةً قام به مقاتلو "كتيبة شهداء البياضة" بحفر نفقٍ للتسلل إلى مبنى المطاحن المتاخم لحي الخالدية، من أجل تأمين الطحين لـ 800 عائلةٍ محاصرةٍ في المدينة القديمة، الحصار الذي فرضه نظام الأسد على المدينة منذ أكثر من 18 شهراً.
ويكتب الساروت على صفحته الرسمية في التاسع من كانون الثاني/ يناير الجاري: "عرسٌ جماعيٌّ لـ 62 بطلاً نالوا الشهادة في ظروفٍ لا تصدّق، كانوا يحملون على أعناقهم 3000 نسمةٍ في حمص المحاصرة، وكانوا آخر أملٍ لفكّ هذا الحصار اللعين. رحمكم الله يا أبطال. عذراً يا رجولتي لا أستطيع منع نفسي عن البكاء".
يكشف الثائر أبو أحمد تفاصيل "معركة الطحين"، وهو ابن عم أحد الشهداء الذين سقطوا فيها، وشقيق أحد الشهداء الذين شاركوا في معارك حي الخالدية قبل احتلاله من قبل قوات الأسد، فيقول: خطّط ثوار حمص لتلك العملية في غاية السرية والصمت، بهدف التسلل إلى مبنى المطاحن للحصول على أكياس الطحين وتأمين وصولها إلى الأهالي المحاصرين في المدينة القديمة. وتمكن، في صبيحة ذلك اليوم، نحو 100 من كتيبة شهداء البياضة من التسلل عبر النفق إلى المنطقة المحيطة بالمطاحن.
ويتابع أبو أحمد: "انتشر عشراتٌ من الثوار الذين خرجوا من النفق في المنطقة المحيطة بمبنى المطاحن بصمتٍ دون أن يلفتوا انتباه نقاط تمركز ميليشيات الأسد المتوزّعة في المنطقة، والقريبة من مبنى المخابرات الجوية المدجّج بالسلاح الثقيل ومئات العناصر وأجهزة الرصد الليلية المتطورة، فقد كانت الخطة هي تسلل الثوار إلى مبنى المطاحن دون اشتباك".
لم تجر الأمور كما خطط لها الثوار، الذين كانوا يواصلون الخروج من النفق السري والانتشار في محيط مبنى المطاحن تمهيداً للتسلل إليه. ويشرح أبو أحمد ما حدث عندما "اكتشف أحد جنود النظام، والذي كان يمرّ بالمصادفة في ذلك الشارع، حركة بعض الثوار الذين كانوا يخرجون من النفق فأطلق النار على الفور، فقام الثوار بتصفيته كي لا يهرب ويخبر باقي الجنود. إلا أن صوت إطلاق النار نبّه حواجز النظام المنتشرة على مقربةٍ من المطاحن إلى ما يجري، فقامت بإطلاق رصاصٍ كثيفٍ على المنطقة، فنشبت اشتباكاتٌ عنيفةٌ لم يكن الثوار يخططون لها، وفقدوا بذلك عنصر المفاجأة الذي راهنوا عليه لنجاح عملية التسلل".
حاول عشرات الثوار الصمود في محيط المطاحن، وإجبار الأرتال العسكرية المدجّجة من جنود النظام على الاقتراب أكثر، لتقليص مساحة الاشتباك وحرمان قوّات النظام من فرصة القصف عن بعدٍ كي لا يصيب جنوده. ولكن قوات الأسد لم تكترث لمصير عشراتٍ من جنودها الذين أجبروا على التقدّم باتجاه الثوار، فضحّت ببعض مقاتليها وتركتهم يواجهون الموت برصاص الثوار وتحت نيران أكثر من 150 قذيفة. فردمت فتحة النفق، وانسحب نحو 30 مقاتلاً من الثوار، وأصيب معظم الباقين خارج النفق، وتحصّن البعض مع الجرحى داخل أحد المباني المحاذية لمبنى المطاحن، إلا أن قذائف الدبابات هدمت المبنى بالكامل، واستشهد جميع أفراد كتيبة شهداء البياضة.
يقول بيانٌ نشره ثوّار حمص القديمة على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "رغم قلة العديد والعتاد، أبى مجاهدو حمص إلا أن يسطّروا أروع البطولات حين قدموا أرواح شبابهم رخيصةً، ليطعموا طفلاً جائعاً، وينقذوا عجوزاً مريضاً".
تطوي الثورة صفحةً ناصعةً من بطولات ثوّار حمص، وما قدّمته "كتيبة شهداء البياضة" من تضحيات، وهي أوّل كتيبةٍ تشكلت في الثورة السورية، ليستشهد ويصاب معظم مقاتليها في "معركة الطحين". وقد زفّ الساروت استشهاد شقيقيه أحمد وعبد الله في تلك المعركة، بعد أن كان قد ودّع شقيقين آخرين له في معارك الحرية، هما وليد ومحمد.