- الرئيسية
- مقالات
- ملف
الزراعة المنهارة في تل أبيض وبوابتها المغلقة (2 من 2)
تعاني مدينة تل أبيض والقرى التابعة لها اليوم من تدهور اقتصادي عام، بسبب انهيار العمل الزراعي الذي كان يشكل مصدر الدخل الرئيسي لأكثر من 70% من السكان، وكذلك توقف حركة التجارة المرتبطة ببوابة تل أبيض الحدودية، وتوقف أنشطة التهريب عبر الحدود مع تركيا.
في عقد التسعينات جف نبع عين العروس –قرب تل أبيض- المغذي لنهر البليخ، فزاد اعتماد المزارعين على الآبار الارتوازية لريّ أراضيهم، ما جعل الوقود اللازم لتشغيل محركات الرفع من الآبار حاجة رئيسية بين احتياجات الفلاحين الأخرى. خلال عهد داعش ثم عهد حزب الاتحاد الديمقراطي pyd، أو إدارته الذاتية، كان لوقوع حقول نفط تحت سيطرتهما المستقرة، في دير الزور والحسكة، دور فعال في انخفاض أسعار الوقود في تل أبيض. لكن منذ الاتصال البري لـpyd والنظام في ريف حلب الشرقي، آخر شباط الماضي، أخذت أسعار الوقود بالارتفاع نتيجة استجرار النظام لإمدادات نفط شبه ثابتة من إنتاج حقول الحسكة. فقلصت لجنة المحروقات التابعة للإدارة الذاتية كميات الوقود منخفضة السعر التي توزعها على محطات البيع (الكازيات)، وحددت لجنة الزراعة مخصص سقاية الهكتار الواحد من الوقود الرخيص ببرميل لكل هكتار مزروع ولأصحاب الرخص الزراعية فقط. عجز مزارعون كثر عن شراء المازوت بموجب رخصهم بالسعر المحدد (10 آلاف ليرة للبرميل)، واضطروا، في أيام السقي في شهر نيسان الماضي، إلى شرائه من السوق السوداء بسعر 25-30 ألف ليرة للبرميل، ما ألغى هامش الربح المفترض بل وكبدهم خسائر فادحة.
يقدر مجموع المساحات المروية في ريف تل أبيض بأكثر من 20 ألف هكتار. لم يتجاوز إنتاج الهكتار الواحد من القمح أو الشعير 3 أطنان، وهي إنتاجية متوسطة، تحمل على نفقاتها، إلى جانب تكلفة السقاية المرتفعة، تكاليف السماد والبذار والأدوية الزراعية، فضلاً عن أعمال المكننة الزراعية من حراثة وحصاد. «الموسم خسران»؛ يقول مزارع من تل أبيض يحاول تدبر أمره بواسطة قد تسهل له شراء الوقود من الكازيات من أجل الموسم الجديد في زراعة الذرة الصفراء، «كثير ناس هجّت، تركت كاعها ورزقها وهجّت على تركيا». يضيف المزارع الذي طلب إغفال اسمه أن للواسطة دوراً حاسماً في شراء الوقود بسعر مخفض، وبأنه لن يغامر بموسم زراعي جديد إن لم تنقذه الواسطة: «سعر المازوت اليوم صار فوق الثلاثين ألف، وراح يزيد النوب».
فرص عمل ضائعة وجديدة
خلقت حركة البضائع والتجارة والسفر عبر معبر تل أبيض الحدودي فرص عمل لمئات من أبنائها بعد تحرير المدينة في أيلول 2012 حتى سيطرة داعش آخر عام 2013، ثم سيطرة pyd في حزيران 2015، حين أغلقت البوابة نهائياً ففقدت تل أبيض المكاسب الاقتصادية الهامة التي أتاحها المعبر، وتحول العاملون على البوابة -أو بالتهريب على الحدود- إلى عاطلين عن العمل، فانقطعت بذلك سيولة مالية مرتفعة كانت تضخ يومياً في عجلة اقتصاد المدينة، وماتت أسواقها بتوقف حركة البيع نحو الداخل في محافظتي الرقة ودير الزور، وتراجعت الأعمال الأخرى أو توقفت في قطاعات شتى، ما أضاف مئات وآلاف آخرين من العاطلين عن العمل. وبعد فتح الطريق براً إلى مناطق النظام ودخول البضائع من هناك لم يستطع معظم التجار السابقين التكيف مع أجواء العمل الجديدة. يلمّح أحدهم إلى تفضيلات خاصة يمنحها pyd لتجار صاعدين أظهروا الولاء للحزب والتبعية له، ويشكو تاجر آخر من معاناة يلاقيها مع كل شحنة بضائع يجلبها من منبج، وآخرها شاحنة خضار رفضت الإدارة إدخالها دون أي سبب، حسب ما يقول.
تعتمد معظم العائلات على تحويلات أبنائها في الخارج، وخاصة منهم اللاجئين إلى تركيا، بما يتاح لهم من فرص عمل. فيما تعتمد أخرى على عمل أبنائها الشبان أو بناتها في المنظمات الإنسانية في المدينة. وحسب تقديرات بعض الناشطين يزيد عدد العاملين في هذه المنظمات على 200، تتراوح رواتبهم أو مكافآتهم الشهرية بين 200 إلى 500 دولار، وفي حالات قليلة يتلقى البعض رواتب أعلى. وهذه هي الشريحة الأوفر حظاً مقارنة بغيرهم ممن يتلقون أجوراً شهرية، إذ يبلغ متوسط الرواتب التي تمنحها الإدارة الذاتية للعاملين في مكاتبها المختلفة 40 ألف ليرة (حوالي 80 دولاراً)، ويقدر عدد من يتلقون أجوراً شهرية منها لقاء أعمال مدنية بنحو 300 موظف. وإلى جانب هاتين الفئتين هناك عشرات الموظفين لدى الحكومة في دمشق –اسمياً في معظم الحالات- الذين لم يطردوا من وظائفهم خلال السنوات السابقة، وما زالوا يقبضون رواتبهم حتى الآن.