أغلق الحلاق الشابّ لؤي عباس شمالي صالونه في قرية الربيعة -18 كم غرب حماة- والتحق بالجيش تلبيةً لواجب الاحتياط. قاتل في حلب وأصيب هناك، ثم عاود الكرّة بعد شفائه. تلك قصةٌ حقيقيةٌ من الربيعة، يستدلّ بها ناشطٌ متخصّصٌ بمكافحة الفساد في هذه القرية على أنه ينظر إلى النصف الملآن للكأس، بالإضافة إلى الفارغ أيضاً. وأنه -بخلاف ما يقول منتقدوه- لا يريد التشهير بالضيعة بل بالفاسدين فيها فقط، وأولهم ضرار ابن عضو مجلس الشعب ياسر باكير. ولا يبدو أن مكافح الفساد يهتمّ كثيراً بتاريخ هذا الأب، الذي تكشف شهاداتٌ مكتوبةٌ وشفويةٌ أنه أحد سفاحي سجن تدمر قبل 35 عاماً، في المذبحة ذائعة الصيت، حين كان ضابطاً برتبة ملازم أوّل في سرايا الدفاع. مرّت السنوات سريعاً وتحوّل الملازم أوّل العنيف إلى شيخٍ وديعٍ يواسي أمهات القتلى، بوصفه عضواً في مجلس الشعب وركناً بارزاً في جمعية البستان. فيما يتهم مطاردُ الفساد ابنَه ضرار بأنه يترأس عصابةً تبيع الذخيرة لمسلحي الضيع القريبة الكفار.
ومع كل حلقةٍ من مسلسل كشف الحقائق تثار عاصفةٌ من الجدل والانقسام، فيناشد بعضهم الطرفين أن يكفّا عن التشاتم، ويضعا لهذه الفضائح -التي تسيء للضيعة- حدّاً. ويصرّ مؤيدو "المكافح" على مزيدٍ من الحقائق، حتى يعلم الناس من هم تجّار الدم في الربيعة "منبع الشهداء". فكل ضيعةٍ، بما فيها "القرداحة اللي هيّ القرداحة، فيّا فاسدين"؛ يدافع كاشف الحقائق عن نفسه في وجه من يتهمّه "ببهدلة الربيعة". مؤكداً أنه يخصّ الخائن فقط، ولا ذنب لعائلته. وضرار باكير لا يسيء إلا لنفسه. وكذلك بائع وحدات السيرياتيل ومتطوّع الدفاع الوطنيّ محمود نداف، الذي حوّل محلّ الاتصالات إلى وكر خيانةٍ وبيع ذخيرةٍ للإرهابيين، مشغّلاً معه أتباعاً تافهين مثل أحمد ديب الخائن ومصّاص الدماء هو الآخر. وعلى صفحات الفيسبوك يناظر شقيقُ أحمد ديب مكافحَ الفساد، مطالباً إياه أولاً أن يعرّف عن اسمه الحقيقيّ إن كان رجلاً بالفعل، قبل أن يتعرّض للشرفاء الذين يحملون أرواحهم على أكفّهم. يسخر المكافح من حكاية الكفّ التي تعود كلّ "يومين ثلاثة محمّلةً بصناديق الذخيرة المسروقة من مستودعات الجيش"، ليردّ الشقيق بأن كلّ الجنود يبيعون بعض الذخيرة المسلّمة إليهم: "إزا خبّى العسكري الفقير الجوعان 100 طلقة، وباعهن خرجية لياكل، بيتسمّى خاين؟!". فبناءً على قانون مكافح الفساد سيتحوّل جنود الجيش السوريّ كلهم إلى خونة! كما يقول الشقيق ساخراً من قانون المكافح. ويعلن، من جهته، قاعدته الخاصّة بسرقة الذخيرة: "أفينا نقول عن كلّ عسكري مياخد حقه من الدولة إنه حرامي، وأفينا نقول إنه خاين، بشرط أبيضرّ ولاد ضيعته".
وفي كلّ سجالٍ "قانونيٍّ" حول تمييز اللص المضطرّ عن الخائن الذي يثري ثراءً فاحشاً، يتذكّر الجميع أن قائمة "شهدا الضيعة تزداد"، وتقترب من 400 من أصل 10 آلافٍ، هم كلّ سكانها.