الحياة في الموصل بعد تنظيم الدولة الإسلامية (2 من 2)
«مصير ومستقبل هذا البلد مرتبط بنا نحن المعلمين»

كاترين كونتس
دير شبيغل/ 14 نيسان
ترجمة مأمون حلبي

بجوار غرفة المدير توجد صور أطفال مرسومة على الجدار. أحدهم منحنٍ على كتاب يقرأ فيه، وطفلان آخران يمسكان بيدي بعضهما تحت كلمة «مرحبا».

عندما استلم تنظيم الدولة مدرسة ابن مروان طلى وجوه الأطفال بدهان داكن. كان تصوير الوجوه يعدّ حراماً. ذهب عناصر من التنظيم أيضاً إلى اللحَّام أمام المدرسة، وكان يقوم بالدعاية لملحمته بملصق فيه صورة بقرة. طلوا دهاناً فوق الملصق وقالوا للحَّام إن الله فقط هو من يخلق الكائنات الحية. الآن انتهت هذه المرحلة، ويقول المدير شاكر: «مصير ومستقبل هذا البلد مرتبط بنا نحن المعلمين». لكنه لم يتصور بَعدُ طريقة معالجة هذا المشروع. ما يراه يقلقه: «عندما يلعب الأولاد أثناء الفرصة يمثلون دور الشرطة والتنظيم. أحدهم يطلق النار على الآخرين». يفضل المدير أن ينسى الماضي؛ لا خطط لديه لمعالجة الأحداث، ولا فهم للرضوض النفسية، إنما يمتلك قلباً وعيوناً مفتوحة وشيئاً من الحكمة. إنه يقول: «الأطفال كالعجين، وبالإمكان تشكيلهم. إنهم يتعلمون بسرعة، ولكنهم ينسون بسرعة أيضاً».

في أحد صفوف المدرسة يتكدس قرابة 50 طالباً، والجو في الداخل خانق. محمد أصيل، الذي درس المسرح في ما مضى في الجامعة في بغداد، يُعلّم اللغة العربية في هذا الصباح. يعادل مرتب أصيل الشهري 160 يورو. «لأن الحكومة لا تدفع لي مرتبي ما أزال أعمل مساء في الكشك الذي أملكه». يرى أصيل أن فترة حكم تنظيم الدولة هي الأقسى في حياته. أصيل، المولود في الموصل، تعرض للتعذيب مرتين. مرة من قبل الشرطة السرية العراقية عندما خلطوا بينه وبين قاتل، وكان هذا بعد سقوط صدام. ومرة أخرى من قبل تنظيم الدولة لأنه التقط صور سيلفي بينما كان يسبح نصف عار في النهر. يقول أصيل: «لم نكن نكلم الأطفال عن التنظيم أبداً، والسبب الرئيسي هو أن أولياء معظمهم كانوا من أتباعه. والآن ما زال علينا الحذر، لأن التنظيم قد هُزم عسكرياً فقط. إننا لا نتكلم عن الماضي، لكنني أقرأ لهم قصصاً يحتاجونها في حياتهم».

في غرفة المعلمين عُلِّق على الجدار هرم مكون من 5 صفوف. في الصفّ الأدنى مكتوبٌ «الاحتياجات الأساسية»، ثم «الأمن»، ثم «الحياة الاجتماعية»، ثم «الاحتياجات الشخصية»، وفي الأعلى «تحقق الذات». أصيل متفائل، وهو يقتبس الحكمة نفسها التي يقتبسها جميع معلمي المدرسة: «الأطفال كالعجين...».

تدريب الأطفال على القتل

يخرج قيصر الكردي من غرفة الصف. فتى مبتهج يبدو أصغر من سنوات عمره الثلاث عشرة. في هذا الصباح كان هو الشخص الذي تكلم بحماس شديد عن مرحلة حكم التنظيم. يجلس بخجل في غرفة المعلمين الذين سمحوا بتردد أن تتم مقابلته. قيصر يحب فريق ريال مدريد ويريد أن يصبح طبيباً. أيريد أن يتكلم عما حدث هنا؟

يغلق الفتى الستائر كي لا يستطيع الأطفال الآخرون أن يسترقوا النظر. «كان أفراد التنظيم يأتون كل يوم كي يعلمونا القتال. لم يكونوا يشرحون لنا شيئاً. كل ما كان علينا فعله هو اتباع الأوامر». رويداً رويداً يصبح صوته أكثر حماساً، وسرعان ما يقفز ويشير إلى المكان الذي كانوا يختبئون فيه خلف إطارات السيارات أو خلف جدران من أكياس الرمل أثناء تدريباتهم القتالية. يتحرك في الغرفة الفارغة مثل راقص، يلكم وجهاً غير مرئي على أرضية الغرفة، يصارع الهواء، يلكم، ويُري كيف علقوا حوله حزاماً فيه قنابل بلاستيكية. من الصعب قراءة تعابير وجه قيصر– مزيج من الافتتان والرهبة والخوف الخالص.

بعد المدرسة استضافنا والد قيصر في بيته. يقول محمد الكردي، وهو مسلمٌ ورع لا يصافح النساء: «في البداية تركت قيصر يذهب إلى المدرسة لأني أريده أن يتعلم القراءة. بعد مدة لاحظنا أنهم كانوا يحاولون غسل دماغه. بعد بضعة شهور بدأ بالذهاب إلى المسجد، وهناك حاولوا إقناعه بالانضمام إليهم، لكنني فعلت مثلما كانوا يفعلون؛ غسلت دماغه في الاتجاه الآخر. علمته الإسلام الصحيح، والمسامحة». محمد يقول أيضاً الجمل التي يؤمن بها الجميع هنا، جمل تريح النفس ويراد منها استحضار الأمل: «الأطفال كالعجين...».

عندما يعود الأطفال إلى المدرسة بعد الظهر يطلب منهم المدير الرجوع إلى بيوتهم. في الموصل الغربية مات قرابة 200 شخص في قصف لقوات التحالف، وأمرت الحكومة بحداد رسمي. يأخذ المدير المفاتيح ويغلق أبواب المدرسة لثلاثة أيام.