التاريخ القديم أحدُ جرحى الحرب في سوريا

من موقع دورا أوروبوس في دير الزور | عدسة نوار | خاص عين المدينة

أليسا روبن عن النيويورك تايمز | ترجمة مأمون الحلبي خاص عين المدينة

يرى عالما الآثار الفرنسيان بيير ليريش وجان مورغيرون، اللذان أمضيا عقوداً من الزمن وهما يكشفان عن ماضي سوريا الغنيّ؛ أنه من المؤلم النظر إلى حاضرها الكئيب. فمنذ زمنٍ جعلت الحربُ العملَ مستحيلاً في المدن والبيوت والمعابد القديمة التي عملا فيها فيما مضى بكدٍّ وطمأنينةٍ ليفهما الحضارات القديمة.

تصل أعدادٌ متزايدةٌ من التقارير إلى باريس توثّق مدى الضرر الذي لحق بواحدٍ من أهم السجلات التاريخية في العالم. ويشمل ذلك الدمارَ الماديّ الناتج عن القتال، والسلب المتفشي للمواقع الأثرية، وعمليات النهب من المتاحف والمجموعات الأخرى. الصورة الصادرة عن علماء، وعن منظمة اليونيسكو، وعن خبراء في سوريا؛ هي صورة بلدٍ في سيرورة امّحاءٍ لتاريخه الثقافي. يقول السيد ليريش،
وهو أستاذٌ في علم الآثار عمل لأكثر من 25 عاماً على نهر الفرات:
"الوضع هناك في غاية الفظاعة حالياً. إنهم يأتون ومعهم حفاراتٌ هوائية، وهذا يعني أن كلّ شيءٍ يُدمّر".
ويقول السيد مورغيرون، الذي عمل في موقع ماري، الذي يعود تاريخه إلى 3000 عاماً: "كانت ماري أحد الحضارات المدينية الأولى التي سكنها الإنسان. إن نهب ماري يعني تدميرها. هذه خسائر لا تعَوّض".
ويقول عبد الحق، وهو سوريٌّ يعيش في فرنسا، وتشاطره ندى حسان، رئيسة المجموعة العربية في اليونسكو، الرأي: "هناك ثلاثة أنواعٍ من الدمار تجري: دمار المواقع الأثرية نتيجة القتال الدائر، وأعمال السلب والنهب في المواقع الأثرية، وسرقة المتاحف، التي غالباً ما يقوم بها لصوصٌ ذوو حِرَفيةٍ عالية، أتوا على ما يبدو ليستولوا على قطعٍ محدّدة".
لقد كانت الحصون والقلاع عرضةً للقتال أكثر من أي مكان، بسبب موقعها المرتفع. وعندما كان القتال يبدأ، وعلماء الآثار الأجانب يرحلون؛ كان الحرّاس المحليون يتركون مواقعهم. فيأتي السكان من أبناء المنطقة، الذين كانوا بلا عمل، ويفككون المباني التي كان علماء الآثار يحفظون فيها اللقى غير المصنفة، ويدخلون إلى المتاحف المقامة في مواقع التنقيب، ويسرقون كلّ ما يمكن الاستفادة منه.
يقول علماء الآثار إنهم لا يلومون السكان: "هم أناسٌ فقراء في أزمة، ونحن قلقون عليهم. لا توجد هواتف ولا كهرباء. لا يوجد وقودٌ لتشغيل المكنات الزراعية. ولم يعد يوجد طعام". إلا أنهم متضايقون أكثر بكثيرٍ مما حدث لاحقاً. فقد وصل، بعد وقتٍ قصير، منقبون أجانب ومعهم مجرمون تبنوا أسلوباً لا رأفة فيه. يقول السيد ليريش: "يوجد في موقع دورا أوروبوس 1000 شخصٍ تقريباً، يعملون كلّ يومٍ ليجدوا شيئا يبيعونه. ويعمل اللصوص بأدوات استكشافٍ معدنيةٍ تحفر أخاديد في الأرض كلما ظهرت إشاراتٌ على وجود معادن".
مع بدء الحرب قامت الحكومة بتأمين المجموعات الأثرية في متاحف سوريا الأربعين. لكن بعض المواقع الأثرية، مثل تدمر القديمة، تمتد لأميال. فلم يكن بوسع الموظفين أن يفعلوا سوى إقفال البوابات، مع معرفتهم أنها يمكن أن تُفتح بسرعةٍ بواسطة نسفها. في بداية الأمر كان الموظفون متفائلين أنه يمكن إقناع الثوّار أن يحافظوا على هذه المواقع، وحصل ذلك مبدئياً. يقول أحد الموظفين: "سوريا الآن موزعة على خندقين: إما مع الحكومة أو ضدّها. حافظ الناس على وعدهم بحماية المواقع الأثرية، لكن المتعصبين هم المشكلة. لقد قالوا لمسؤول القطع الأثرية في أحد المتاحف إنه حارس تماثيل معاديةٍ للدين".
للمسلمين والمسيحيين جذورٌ عميقةٌ في البلاد. وكانوا يحترمون تراث بعضهم وتاريخ القرون التي كانت فيها البلاد تحت حكم فارس القديمة والإغريق والرومان. من الصعب معرفة إن كان ممكناً استعادة الإحساس بماضٍ مشتركٍ ومتنوّعٍ في هذا الجيل أو في الجيل التالي. لكن علماء الآثار وأناساً آخرين يعتقدون بأنه إن لم توجد موضوعاتٌ أثريةٌ تُري السوريين ماضيهم المشترك، فإن المهمة ستكون أصعب بكثير. تقول رئيسة اليونيسكو: "الموضوعات الأثرية ليست مجرد حجارة. إنها تتعلق بهوية الشعب السوري، وتحطيم هوية الناس ضربةٌ قويةٌ لمجتمعاتهم".