البلاء العظيم والمستحيل السوري

«إنّها البلاء العظيم»

هذا ما كان قطّاع واسع من الفرنسيين يصفون به الثورة الفرنسية في إحدى مراحل الذروة خلال قيامها.

وبينما يكتفي البعض في أيامنا بصورتها كأحد أهم التحولات التحررية في تاريخ البشرية، فإنّ مؤرخين مرموقين يمعنون النّبش في تفاصيل ستبدو مرعبة لمن لايعرف حقيقة ماحدث آنذاك؛ فقد قُتل مئات الألوف، وتشرّد أضعافهم، ونُهبت وأُحرقت قرى وإقطاعات، وارتُكبت مذابح مروعة، وسادت حالة يأس اجتماعي قاسية وقاتمة.

ومع أنّ فرنسا، التي نعرفها اليوم، تشكلّت ببطء وعبر تحولات متكررة وعنيفة، فإنّ أثر الثورة لم يقتصر عليها وحدها، فقد أطلقت الثورة شرارة ما عرف بـ "ربيع الشعوب" وهو حقبة دامية مُتخمة بالوحشية والفظائع، اشتقّ منه اسم "الربيع العربي"؛ وساهم التسطيح الإعلامي في تحويله إلى مُقاربة شاعرية للربيع في سوريا وغيرها.

لا تحدثُ الثورات بسهولة، ولا تُحققّ نتائجها بمجرد حدوثها، بل إنّ التجارب الفاشلة أكثر بكثير من تلك الناجحة، غير أنّ ما من ثورة تركت مجتمعاً كما هو، إنّها انفجار قوى كامنة ومضغوطة إلى حد أنّها تُشتت أهدافها حين تحدث، وهي تُنتج إمكانيات ما كان لها أن تكون لو لم تحدث.

لا داعي للذهاب إلى فرنسا كنموذج من أجل فهم قوة ما تُحدثه الثورات، سوريا وما حدث فيها يكفيان كدلالة.. هل كان من الممكن أن تقرأ مثل هذه الافتتاحية في مطبوعة سورية قبل ثمان سنوات؟ هل كنا نستطيع كتابتها؟ هل كانت "عين المدينة" وغيرها من الصحف التي بين يديك لتكون أمراً ممكنا بأي صورة لولا الثورة؟

نظام "الحيوان" منتصر الآن؛ هذه تظهر كحقيقة عيانية ولن ينفع الادّعاء بالعكس، غير أنّ ما هو وقتي بالنسبة للثورة، وقتي عليه أيضاً، والتحولات التي أحدثتها الثورة لن يكون قادراً على عكسها أو شطبها. وقوة النظام الحقيقية كانت عبر 41 عاماً هي في تكريس "استحالة الثورة"، وهذا المستحيل قد حدث.

وإن كان صحيحاً "الآن" أنّ الخيارات العسكرية لم تنجح، وأن السياسة معطّلة تحت هول القصف والمذابح، فإن هذا لن يكون صحيحاً "دائماً"، لأن "الحيوان" فقد قوته، وهو مهزوم في أصل مشروعه، وأضعف -مهما ادعى- من أن يقدر على ديمومة الانتصار.