- الرئيسية
- مقالات
- ملف
الانتظار الصعب في مخيم عين عيسى
في تشرين الثاني من العام الفائت أقامت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR مركز إيواء للنازحين في مركز تجميع أقطان سابق قرب قرية عين عيسى (50 كم شمال الرقة). تألف وقتها من 30 خيمة، قبل أن يتسع إلى 800، يسكنها اليوم 12 ألف نسمة تقريباً.
أعداد المقيمين في المخيم تزيد وتنقص، مع قادمين جدد ومغادرين، لكنها تظل فوق 10 آلاف. يشكل أهل مدينة الرقة وأريافها أغلبية ساكنيه. وينقسم هؤلاء إلى فئتين؛ الأولى عازمة على البقاء فيه حتى خروج داعش من الرقة، فالعودة إلى بيوتهم، والثانية تنتظر انتهاء إجراءات التحقيق، ثم المغادرة. إذ إنه فور وصول أي شخص تأخذ لجنة أمنية، تتبع جهاز مكافحة الإرهاب H.A.T التابع للإدارة الذاتية، بطاقته الشخصية وأوراقه الأخرى وينتظر دوره في التحقيق. قد يطول الانتظار أسابيع وربما أكثر بالنسبة لأشخاص لهم أقارب من الدرجة الأولى أو الثانية في تنظيم داعش، أو تشتبه بهم اللجنة بقضايا أخرى. خلال الانتظار يحظر على الرجال حلق ذقونهم وشعورهم وتغيير هيئاتهم التي جاؤوا بها من تحت سلطة داعش. وبعد الفراغ من التحقيق يسمح لهم بحلقها، ويحصلون على أوراقهم الثبوتية وعلى ورقة تسمح لهم بالخروج من المخيم إن أرادوا، وإلى جهة واحدة هي منبج، ومنها إن شاءوا إلى الباب وجرابلس وباقي ريف حلب الشمالي المحرر.
ظهراً، في الهواء الحار وبين لفحات التراب الجافة، تحاول شابة تمشي بين الخيام برفقة والدتها أن تتحاشى الوقوف للإجابة عن سؤالنا من أين جاؤوا؟ لكن الأم تبدي اهتماماً على أمل أن نكون أشخاصاً نافعين: «جينا من الرقة.. صار لنا شهر». بجمل أخرى سريعة تروي قصتها باقتضاب: أثناء رحلة الهروب أضاعت العائلة بعضها البعض. وصلت الأم، مع ابنتها العزباء هذه وابنة أخرى وابن يافع، ولم يصل ابنها الأكبر وزوجته وطفليه. «ضاعوا.. كانوا قدامنا بالطريق وبعدين اختفوا.. كانت الدنيا ليل وكنا نمشي شمال الرقة بهالبرية مدري وين».
في خيمة أخرى تتكئ عجوز إلى وسادة عليها شعار منظمة إغاثية، وتحمل جوالاً لأحد الزائرين، تسجل عليه مقاطع صوتية ليرسلها الزائر لاحقاً عند توافر شبكة الاتصال في مكان آخر. تقول الأم: «بخير، نحن بخير الحمد لله وزينين.. الحمد لله سالمين، المهم إنا سالمين..». تبدو مسرورة برسالتها وواثقة من وصولها إلى الابن الغائب ومن جوابه في وقت قريب. تتجاهل المرأة، مثل معظم الأمهات، الأخبار السيئة. تقول إنه «راح يشيل هم فوق همه إذا دري بوضعنا هين. وما بي شي الحمد لله، المهم أنه عايشين ونتأمل نرجع لبيوتنا». وتقول معلّمة سابقة إن اقامتها هنا خير من البقاء في الرقة، حيث يمكن أن تسقط قذيفة على أي بيت، وحيث يمكن أن يسجن أي شخص ويهان، وربما يقتل، تحت أي شك من داعش.
يعترف مسؤولون في المخيم بمأساوية ظروفه، رغم تحسنها عما سبق حين كانت الأرض رماداً من حريق أشعلته داعش بمخلفات القطن، قبل أن تتبرع إحدى المنظمات بتغطيته بطبقة من الحجارة الناعمة، ولم تكن هناك مراحيض عامة ولا حمامات ولا مياه كافية. حلت هذه المشكلات تقريباً ببناء هذه المرافق وبإمدادات مياه تنقل بالصهاريج يومياً. ومع أول أيام رمضان بدأ توزيع وجبات إفطار منتظمة كما يقول أبو محمد، الموظف المتقاعد الذي وصل إلى المخيم أول السنة، وآثر البقاء فيه بانتظار رحيل داعش عن مدينة الرقة: «هسع أحسن من قبل». لأنه لا يريد أن يتعرض لمزيد من المهانة بمغامرة جديدة قد تلجئه إلى سؤال الناس والتذلل لهم، حسب ما يقول.
لا توجد كهرباء، وتغذي مولدات المرافق الأساسية ومكاتب الموظفين. وقد وزعت منظمة إغاثية مصابيح تشحن بالطاقة الشمسية، حصل سكان 100 خيمة تقريباً عليها، إلى جانب عدة مطبخ وحصائر وأغطية وألواح خشبية وأدوات أخرى. تنفع هذه الأشياء إلى حد كبير ساكني الخيام وتخفف من معاناتهم.
التهاب الأمعاء والتهابات الكبد وآفات الرئة واللاشمانيا هي الحالات الأكثر تكراراً في المستوصف الذي يديره «الهلال الأحمر الكردي» بدعم من منظمة أطباء بلا حدود. وهو مستوصف محمول يقدم خدمات إسعافية يومية إلى جانب إطلاقه برامج تلقيح الأطفال من أمراض مختلفة. لكن قلة تجهيزاته، والافتقار إلى كثير من الأدوية وانقطاعها أحياناً، فضلاً عن تنوع الأمراض وارتفاع عدد المصابين من كل الأعمار وكلا الجنسين، أدى إلى ضعف دوره وعجزه عن علاج كثير من الحالات، وإحالتها إلى منبج. لكن من لم ينته التحقيق معه بعد، أو من لا يملك تكاليف السفر، لا يستطيع المغادرة، كما يقول موظف في المخيم طلب إغفال اسمه.