الانتصارات تستمرّ في درعا

والنظام يعود إلى ورقة الحلّ السياسيّ المحروقة

سبق للخارجية الأمريكية أن استخدمت، لأوّل مرّةٍ، تعبير "إما منفصلٌ عن الواقع أو مجنون" في وصف بشار الأسد، تعليقاً على الخطاب الذي أنكر فيه استخدام الرصاص الحيّ ضد المتظاهرين السلميين، في نهاية العام 2011. واليوم، بعد سلسلة الهزائم العسكرية المتصاعدة التي مني بها على مختلف الجبهات في الأشهر الأخيرة، توالت دعوات النظام والأطراف الدولية المؤيدة له إلى تكثيف المشاورات السياسية المتعلقة بالإعداد لمؤتمر جنيف3. لكن، بالمقابل، تأتي هذه المحاولات وقد طرأت تغيّراتٌ عديدةٌ على الواقع الميدانيّ ترشّح عدم قدرة النظام على تحقيق أية مكاسب من مناوراته السياسية.

على الصعيد العسكريّ

لم تسمح القوى الثورية المقاتلة في محافظة درعا والجنوب السوريّ للنظام أن يهنأ بالخدمة الكبرى التي قدّمها له تنظيم داعش إثر هجومه على قرىً في ريف حلب الشماليّ، وإشغال جيش الفتح عن معركتي حلب والساحل. إذ وجّهت الجبهة الجنوبية صفعةً قويةً للنظام بتحرير اللواء 52، ثاني أكبر ألوية جيشه المدرّعة، في معركةٍ أطلقت عليها تسمية "القصاص". ويشير المراقبون إلى أن أهمية العملية لا تكمن فقط في السيطرة على آخر معاقل النظام في الريف الشرقيّ لدرعا، ومحاصرة مطار الثعلة العسكريّ، وقطع الإمدادات عن قوّات النظام في درعا المحطة وحسب؛ وإنما لأن موقع اللواء صار نقطة انطلاقٍ جديدةٍ للثوّار تمكّنهم من التقدّم باتجاه مدينة إزرع التي تعدّ قاعدةً عسكريةً مهمّةً لقوّات النظام والميليشيات الأجنبية المقاتلة إلى جانبه، بالإضافة إلى بلدة خربة غزالة ذات الموقع الإستراتيجيّ على طريق دمشق.

ويأتي كلّ ذلك ليضاف إلى التقدّم الذي تحققه فصائل جيش الفتح في ريف حماة، ومعارك الجبهة الغربية لمدينة حلب، والتي أدّت إلى السيطرة على أجزاء من حيّ الراشدين والاقتراب من أسوار ثكنة البحوث العلمية، رغم محاولات تنظيم داعش إشغال فصائل الثورة بمعاركه، متجاهلاً الهزائم التي يُمنى بها في تلّ أبيض والقرى المحيطة بها، فيما يظهر أنه نيةٌ جديةٌ للتحالف الدوليّ بطرد التنظيم من الحدود مع تركيا، لقطع طرق تهريبه وعزله أكثر في المناطق الداخلية.

وفي محصّلة ذلك، لم تعد حجّة النظام السياسية بمحاربة الإرهاب مثار اهتمام أحدٍ، نتيجةً لتهالكه من جهةٍ، ولأن المجريات الميدانية باتت متغيّرةً لصالح الثورة، من جهةٍ أخرى.

على الصعيد السياسيّ

عملت موسكو منذ البداية على مجاراة الأسد بصفتها ممثلاً سياسياً وراعياً للنظام أمام القوى الدولية. ولكن سياسيّيها يدركون أنّ فكرة الحلّ السياسيّ لا تتناسب، بشكلٍ قطعيٍّ، مع تكوين وتوجّهات النظام الذي يرفض قيام هيئة حكمٍ انتقاليةٍ وفق مقرّرات مؤتمر جنيف1. ولذلك فإن المشاورات والمباحثات وغيرها ليست سوى استمرارٍ في أداء الدور التقنيّ لراعي النظام أمام المجتمع الدوليّ. ويأتي ضمن هذا السياق ما عبّر عنه نائب وزير الخارجية الروسيّ، ميخائيل بوغدانوف، في اعتباره معارضي حضن الوطن، الذين حضروا المشاورات التي عقدت في موسكو في نيسان الماضي، معارضين فعلاً. وأن الأسد يسعى إلى الوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ. وحين قال: "إن دمشق طلبت من موسكو تنظيم جولة مشاوراتٍ ثالثةٍ مع المعارضة. معرباً عن استعداد بلاده لاستضافة مزيدٍ من تلك المشاورات السورية-السورية". وتأكيداً على هذا النهج، التقى مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، وزير خارجية النظام في دمشق، بناءً على دعوة وجّهها له الأخير، الذي "أكّد على أهمية متابعة لقاءات موسكو لإنجاح مؤتمر جنيف"، بحسب تعبير صحف النظام. وعلى طرفٍ مقابلٍ، وبغياب الائتلاف، لا تبدو المباحثات التي أجراها جزءٌ من معارضي موسكو وبعض المستقلين الهامشيين، تحت مسمّى المؤتمر الموسّع للمعارضة السورية في القاهرة؛ سوى ترديدٍ للشعارات واختلافٍ على الحقائق التي سبق أن حُسمت في المظاهرات في العام الأوّل للثورة. وبهذا المعنى لن يجد الأسد وسياسته شيئاً جديداً يمكن استثماره والاستفادة منه، إذ إن الأمر لم يعد لعبةً لكسب الوقت والمماطلة، في ظلّ الخسائر الفادحة التي يُمنى بها والحنق الذي أصاب بنيته الاجتماعية.

في المحصّلة، إذا كان النظام قد صوّر كذبه على شكل انفصالٍ عن الواقع في بداية الثورة، وراهن على عامل الوقت أملاً في الحسم العسكريّ، فإن الحبل الآن بات يشتدّ حول رقبته مع مرور الزمن، وبمشاوراتٍ أو بدونها... فمن يكترث؟