دولة الإصدارات... تتقدّم أم تتراجع؟
في هذا العدد مادتان تبدوان متناقضتين؛ الأولى تقريرٌ خاصٌّ عن ملامح على الضعف المتزايد في القدرة القتالية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهو ما أخذنا نتتبعه ونتناوله في مقالاتنا وتقاريرنا في الأشهر الماضية، مدعّماً بالوقائع. والثانية نعيٌ للشهيد زاهر الشرقاط وإضاءةٌ على أبرز معالم شخصيته وعمله الثوريّ، هو الذي اغتالته داعش في مدينة غازي عنتاب التركية مؤخراً، كما هو معروف، إثر حادثتين شهيرتين سابقتين، هما ذبح إبراهيم عبد القادر وفارس حمادي في أورفا، بطريقةٍ مضطربةٍ تومئ إلى أن من فعلها مجرّد مناصرٍ متحمّسٍ على الأرجح، ثم اغتيال ناجي الجرف بطريقةٍ أصرح في عنتاب، ولكن دون تبنٍّ رسميٍّ من التنظيم الذي تكفّل أنصاره على مواقع التواصل بإظهار الشماتة، وهو ما أعاد أحد إصدارات التنظيم تكراره لاحقاً حين عرض صور الشهداء الثلاثة هؤلاء.
المختلف هذه المرّة هو مسارعة داعش إلى تبنّي الفعل رسمياً، وزعمها أن «مفرزتها الأمنية» (لنلاحظ الاسم ولنتذكّر مصدره) من قام به. و«المتناقض» بين المادتين بالتالي هو السؤال هل يتقدّم التنظيم أم يتراجع، ما دام ذراعه الخارجيّ الذي يطال خصومه من الناشطين الإعلاميين ينتظم وينفّذ؟ أم أن مزاعمنا عن ضعف داعش هي مجرّد رغبات؟
في الحقيقة إن ما نسوقه من معالم تراجع داعش عسكرياً –وفي مجالاتٍ أخرى نتناولها تباعاً- مبنيٌّ على رصدٍ طويلٍ لمعارك جدّية، وعلى معلوماتٍ كثيرةٍ من مصادر معلنةٍ وغير معلنة، وعلى أرقامٍ في الأعداد والعتاد والتمويل... ولا تغيّر منه شيئاً قدرة بضعة أشخاصٍ على القيام بعملية غدرٍ هنا أو هناك. والسؤال المشروع بالتالي هو سبب إصرار داعش على استهداف خصومها الإعلاميين، بل وتفضيلها ذلك على محاولة اغتيال أعدائها العسكريين المؤثرين، والذين لا يحظون بحمايةٍ خاصّةٍ تذكر.
والواقع أن هذا يحيلنا مرّةً أخرى إلى مركزية الشريان الإعلاميّ في تكوين داعش، دولة الإصدرات، التي تخسر المدن بالجملة، وعلى مختلف الجبهات، وتصرّ على استهداف صحفيٍّ أعزل!