باغية... وتنحسر
ربما كان التطوّر الميدانيّ الأبرز في الأيام الماضية هو وقوع مدينة تدمر تحت سيطرة قوّات الأسد مرّةً أخرى، وخروجها من يد داعش. لن ننشغل كثيراً بالمفاضلة بين الاحتلالين، فما يعنينا من المعارك المتكاثرة مؤخراً بين النظام والتنظيم هو الاغتباط لإثخان كلٍّ منهما في قوّات الآخر وعتاده، والأسف العميق لارتقاء الضحايا من المدنيين الأبرياء وتوسّع رقعة خراب المدن والوطن.
لكن الملاحظ مؤخراً أن هذا الكيان المجنون، الزاعم أنه «دولةٌ» إسلامية، أخذ يدفع ثمن غروره الأخرق وجبهاته الرعناء التي ما انفكّ يراكمها مهاجماً هذا الطرف ومستفزّاً ذاك، تحت زعم أنه على الحقّ ما دام الجميع قد اتفق على قتاله وتداعت عليه الأمم! حتى أنه أظهر السعادة لتشكيل التحالف الدوليّ الجوّي ضدّه، ودعا الدول المشاركة فيه إلى إرسال قوّاتها البرّية و«المنازلة» على الأرض، زاعماً أن استجرارها إلى ذلك هو هدفه من الأساس، كما سمعنا مراراً في كلمات القوم وناطقهم المعتمد العدنانيّ.
ولكن ماذا جرى لتتقلّص الدولة الباقية العتيدة، دون حتى أن تواجه «الصليبيين» أنفسهم، بل فقط «أذنابهم» من النصيرية والروافض والملاحدة والمرتدّين وصحوات العار... إلى آخر القاموس السفيه؟ وكيف أنها على الحقّ وصارت تخسر مواقعها أمام مختلف هؤلاء الخصوم بكلّ مشاربهم وانتماءاتهم المتعدّدة، في كلٍّ من العراق وسورية، وعلى مختلف الجبهات؟!
في الدنيا «عقلٌ» إذاً... وفيها حساباتٌ للقوّة والضعف... وأرقامٌ للعدد والعُدّة... وليست مجرّد إصداراتٍ مخادعةٍ نتفنّن فيها بالاستقواء الساديّ على بعض الأسرى البرتقاليين، ذبحاً وتقطيعاً وإغراقاً... وشيّاً!
الأمل الآن أن تصل هذه الفكرة إلى عددٍ من المراهقين من أبنائنا، ممن أغشت بصيرتهم دعاية القوّة فوقعوا في أسرها، مبايعةً للتنظيم أو دعايةً له أو انجذاباً أزاغهم عن مبادئ الثورة التي كان بعضهم من أوائل من ناصرها قبل هذا الانجراف والانحراف.
أما عتاولة مجرمي داعش فلا أمل يرجى منهم في ما يبدو، ولا بدّ أن ينالوا جزاءهم العادل، وها هم ينالونه واحداً تلو الآخر كما تقول الأخبار. وإلى أن يكتمل ذلك وتُخمد هذه الفتنة فليس أمامهم سوى أن يتسلّوا، كما هي عادتهم، بقصف مارع... يخسر التنظيم أمام الحشد الشيعيّ، فيقصف مارع... تسحل قوّات النظام المجرمة عناصره في بعض أحياء دير الزور، فيقصف مارع... تضيّق ميليشيا «قوّات سوريا الديمقراطية» الخناق عليه هنا وهناك، فيقصف مارع... وينتصر الثوّار عليه في ريف حلب الشماليّ، فيقصف مارع...
ومارع/الثورة صامدة حتى نهاية هذا الكابوس... وسقوط بشار الأسد.