داعش كوباء
عصر يوم الأحد الأخير من الشهر الماضي، اغتال مجهولون الصحافيّ السوريّ المعروف في أوساط الإعلام البديل، ناجي الجرف، في مدينة غازي عنتاب.
ناجي، الذي تميّز بعلاقاتٍ طيبةٍ مع الجميع وبدماثةٍ وابتسامةٍ ومرحٍ دائمين، كان بلا أعداء سوى النظام السوريّ وتنظيم داعش الذي سرعان ما دارت حوله الاتهامات رغم أنه لم يصدر بياناً يتبنى العملية. ولكن تعاون الجرف مع حملة «الرقة تذبح بصمت»، وإعداده وإخراجه مؤخراً فيلماً وثائقياً بعنوان «داعش في حلب»، وشماتة عددٍ من مناصري داعش على تويتر وفيسبوك بمصرعه؛ كانت قرائن كافيةً بالنسبة إلى الكثيرين.
الأرجح بالفعل أن يكون الأمر كذلك، ولكننا نكرّر ما سبق أن كتبناه عند مقتل الإعلاميَّين الشابين إبراهيم عبد القادر وفارس حمادي في تشرين الأول الماضي، في مدينة أورفا التركية أيضاً؛ من أن «وباء» داعش تجاوز حدود التنظيم وتخطى مبايعيه الفعليين، ليصل إلى مبايعين «قلبيين» غير ذوي صلةٍ مباشرةٍ به، يُطلِق عليهم مصطلح «الذئاب المنفردة» الذي ورثه عن تنظيم القاعدة، ويعني الأفراد الذين لم يتمكنوا من الاتصال به تنظيمياً، ولكنهم آمنوا بالفكر والمنهج، وبإمكانهم تنفيذ العملية التي يرتأون أنها تصبّ في خدمته دون أن يكلفوا بذلك «رسمياً».
وجليٌّ أن هذه الوضعية تثير خيال المراهقين الذين تحفّزهم إصدارات التنظيم الإجرامية، ولذلك لن نستغرب وجود أعدادٍ لا بأس بها بيننا حالياً من هؤلاء الحاقدين المرضى بالعنف وبمناظر الدماء والأشلاء، تتجوّل بمظهرٍ عصريٍّ بينما يهجس عالمها الداخليّ بالتخطيط للقتل والتفجير.
ليست هذه دعوةً للخوف، بالطبع، ولكنها إشارةٌ شديدة الجدية إلى ضرورة أن تعالج النزوعات المتطرّفة بعلاجاتٍ على المستويات الثقافية والدينية والسياسية، وبدرجةٍ أعمق بكثيرٍ من تلك الأمنية والعسكرية. فطالما استمرّت المظالم الصارخة والتمييز تجاه الأفراد والجماعات في هذه المنطقة، طالما ستفرز ذئاباً يتحفزون للثأر.
أياً يكن، وسواء وقعت مسؤولية الاغتيال على عاتق التنظيم أو مسعوريه الهائمين أم لا؛ فقد خسر الإعلاميون والناشطون صديقاً كان يفكّر بسوريا كلها، سوريا كما هي، دون اصطفافاتٍ أو تحيّزٍ من أيّ نوعٍ سوى للثورة وقيمها.
الرحمة للشهيد، والصبر لعائلته، والمزيد من العمل منا جميعاً لكي تكبر طفلتاه، اللتان لم يرتدع القاتل عند رؤية صورهما على صفحة أبوهما على الفيسبوك، حمامتين بيضاوين، وتعيشا في عالمٍ أفضل.