المهنة... إعلامي
نعرف جميعاً الظروف الخاصّة لإعلام الثورة السورية، إثر قيام النظام بمنع عمل الوكالات الإخبارية والقنوات المحايدة والموثوقة، واقتصار إمكانية الحصول على ترخيصٍ بالعمل على قنوات التزييف والتغطية على جرائم هذا النظام الكثيرة. مما أدى إلى قيام العديد من الشبّان والناشطين بعمليات التصوير والرفع والنشر والتغطية الإعلامية، دون سابق خبرةٍ أو صلةٍ بهذا الحقل. وحتى فيما بعد، إثر تلقّي أكثرهم لدوراتٍ تدريبيةٍ قصيرةٍ، لا يمكننا النظر إلى هذه الدورات المبتسرة وحضورها المتعجّل بعين الرضا عن مدى احترافها وسويتها المهنيّة.
وهذا ما لا ينكره كثيرٌ من هؤلاء «المواطنين الصحفيين» أصلاً، ممّن وعوا أن أهمية دورهم البالغة تأتي من ميدانيتهم ولصوقهم بالحدث الذي لا يستطيع الوصول إليه سواهم من المراسلين المحترفين. وللأسف، فقد شهد شهر حزيران الفائت موجةً من استشهاد عددٍ من إعلاميي الثورة هؤلاء، من بينهم من سقطوا بقصف قوّات النظام عندما كانوا يغطّون معارك درعا، وآخرين بقصف داعش على ريف حلب الشماليّ. وأصيب عددٌ آخر بجروحٍ مختلفة.
وسوى هؤلاء المخلصين الميدانيين المحافظين على عهد الثورة؛ تسلّق الكثيرون صفة «الإعلاميّ» مسرعين، بحثاً عن المال والعلاقات والحضور، مما أتاحته ظروف عمل القنوات الفضائية والمنظمات الدولية، فلم تعد الثورة بالنسبة إليهم إلا مادةً للاستعراض وجزءاً من البضاعة المعروضة على بسطة بيع كلّ شيء... الصور ومقاطع الفيديو والشهادات والذكريات عن من استشهد من الأصدقاء أو الإخوة...
نعرف جميعاً مدى الهشاشة الأخلاقية لكثيرٍ من السوريين في عهد آل الأسد... كما نعرف أنهم لم يتغيّروا كثيراً نحو الأفضل منذ ذلك الوقت، بسبب زيادة الآلام والمخاطر وانسداد الأفق... لكننا متأكدون من أن هذه الثورة مفتاح تحوّلٍ أخلاقيٍّ كبيرٍ وعميم، مهما طال الزمن، وطغا على الأنفس فسادها.
_________________________________________________________________