قبل مقتله بأيامٍ، في كمينٍ للمخابرات العسكرية في محافظة طرطوس، نشر أحمد حوري، وهو زعيم عصابةٍ كبرى كان يتخذ من مدينة دريكيش في ريف المحافظة معقلاً له، تسجيلاً مصوّراً ينفي فيه مسؤوليته عن قتل ثلاثة عناصر أمنٍ كانوا ضمن حملةٍ أرادت القبض عليه ومطلوبين آخرين من عصابته.
يخاطب الحوري ذوي المقتولين: "أنا بريء من دم ولادكن.. وما إلي علاقة إطلاقاً باللي صار". ثم يذكّر الناس بفضائله في حب الفقراء، فأحمد "يحب الفقير.. وأحمد عمره ما أزى فقير.. وأحمد كل شي طلع حملات أمنية عليه بعمرو ما قتل عسكري". إنه ليس خائفاً لكنه يريد أن يبيّن الحقيقة فقط: "أنا عليّي برّي زمتي.. أنا ماني خايف ولا بخاف وعمري ما خفت ولا راح خاف بحياتي". وهو غير مضطرٍ إلى الكذب في هذه القضية بالذات لأنه محكومٌ سلفاً بالإعدام.
على صفحة "ناس نيوز"، التي شاركت التسجيل، يدافع مئات المعلقين عن الحوري وينفون التهمة عنه ويؤكدون صدقه، ويعلنون تضامنه معه في وجه أعدائه، وهم قائمةٌ من الفاسدين أولهم الحكومة في طرطوس، والتي تسهم في زيادة آلام الفقراء ومعاناتهم، وتخون ثقة القيادة في دمشق، وتحمي اللصوص والمرتشين والمدعومين وبائعي الذخيرة والمازوت والطعام "للمسلحين والإرهابيين". وينشر أنصار أحمد صوراً لأسرى لديه يقولون إنهم شبيحةٌ فاسدون كانوا يسرقون الوقود ويتاجرون بالمساعدات المخصّصة للفقراء. تعترض أصواتٌ قليلة على سيل المديح، وتذكّر بحوادث خطفٍ وقتلٍ واعتداءاتٍ على أشخاصٍ وقرىً بعينها، لتقاطعها ردودٌ تفصيليةٌ تبيّن أن بعض الضحايا "المزعومين" هم موظفون مرتشون من مسؤولي المحافظة، أو تجارٌ محتكرون، أو شبيحةٌ يقطعون الطرقات بين الضيع ويفرضون الأتاوات على المارّة. وينتقل السجال إلى صفحاتٍ طرطوسيةٍ أخرى ليكشف عن المزيد من الوقائع في سيرة حوري، فهو المسؤول عن خطف شيخٍ دينيٍّ اسمه علي ديب وإهانته ثم إطلاق النار على ساقيه ورميه في الغابة، حسب متهميه، أو هو البطل الواعي الذي خلّص نساء دريكيش وقراها من هذا الساحر التافه والمخادع، حسب المدافعين.
في نهاية التسجيل يتهم الحوري "الدولة" بتأجيج المشكلة وبالكيدية ضده بالرغم من أنها قبضت على القاتل، كي توسّع دائرة الاتهام وتلقي بأبرياء مثله في السجن، ويعلن موقفه من هذه السلطة: "أنا ماني خايف من الدولة، ولاني ضد الدولة، أنا حيادي". وتجلب حيادية الحوري نوعاً آخر من التهم، من أنه غير آبهٍ بالصراع مع "الإرهاب"، ولا يقيم لتضحيات "الشهداء" أيّ اعتبار. وبالفعل تجد هذه التهم ما يسندها في سيرة أحمد حوري خلال الثورة، أو الأزمة حسب التعبير الدارج في محيطه. فخلا معركةٍ واحدةٍ أو معركتين شارك فيها ضد الجيش الحرّ في ريف حماة، لم يسجّل له أيّ نشاطٍ عسكريٍّ من هذا النوع، في حين نجح عدوّه اللدود ومنافسه المصيافيّ صلاح عاصي في التوفيق بين القتال الخارجيّ في سهل الغاب ثم في جبل الأكراد ونشاطاته الداخلية في السرقة والقتل والخطف والاغتصاب.
بعد مقتله حظي الحوري برثاءٍ شاعريٍّ من أنصاره، وأسفت صفحاتٌ كثيرةٌ على مصير الفقراء بعد رحيله، وكتب أحد أبناء ضيعته عين بالوج، القريبة من دريكيش: "رحلت قبل أن يتحقق حلمك"، وصبّ البعض جام غضبه على حكومة طرطوس التي لم تترك الرجل "الشهم" وشأنه في سرقة الأغنياء والفاسدين وابتزازهم.