- الرئيسية
- مقالات
- صياد المدينة
أبو سعيد الأشرم في دير الزورمحافظ الجورة والقصور والممالك المحيطة بها
اليوم، يعدّ تنقل التاجر محمد ناصر محمد سعيد الأشرم في المناطق التي يسيطر عليها النظام بدير الزور إحدى الامتيازات التي لا يملكها كثيرون هناك، بما في ذلك عناصر الأمن والجيش والميليشيات، الذين لا يتمتعون بالنفوذ نفسه عند دخول منطقة لا تخضع للجهة التي ينتمون إليها. لكن مكانة أبو سعيد لم تأت من فراغ، فهي مكافأة كفاح طويل عززه منذ بداية الثورة.
لم يكن من المتوقع لذلك المتعهد الصغير ومعلم الرياضة أن يصل إلى ما وصل إليه لولا جرأته ونشاطه الفائقان، والظروف المواتية للطامحين إلى الثروة والوجاهة، وبالطبع الفساد. فقبل ذلك لم يكن متاحاً لأبو سعيد سوى شغل منصب مختار خلفاً لأبيه في حيّ الجورة، أو تعهد مشاريع صغيرة لإحدى المديريات في المدينة بدعم من أحد المسؤولين الصغار. وفي حالة أبو سعيد كانت (إحدى المديريات) هي الصحة و(أحد المسؤولين) قريبه حسان مغير، العضو المختص بالتجارة والصناعة في مجلس المحافظة آنذاك، حين حالف الحظ المغامر أبو سعيد، فنجا بأعجوبة من قضية فساد تتعلق بأحد مشاريعه، والتي أدخلت صديقه أمين مستودع الصحة إلى السجن.
في زمن المظاهرات دفعت الجرأة المقاول الصغير أبو سعيد إلى تسلم مشروع إزالة دوار المدلجي، رمز الاعتصامات، وإعادة إعماره، في وقت شل الخوف والترقب مواقف مسؤولين كثر. ومنذ انتشار الجيش الحر في المدينة لم يترك أبو سعيد فرصة إلا واستغلها، من جلب بريد الدوائر، إلى نقل موظفين من المدينة وإليها، إلى تركيب إنترنت فضائي لمبنى المحافظة، ليجد ضالته أخيراً في ضابط المخابرات ياسين الضاحي الذي تسلم فرع الأمن العسكري خلفاً لجامع جامع.
منذ ذلك الحين أصبحت مشاريع أبو سعيد كبيرة وحساسة، وقد افتتحها برفع أسوار وتحصين وتشييد زنازين داخل بناء الأمن العسكري، ثم تعديلات مشابهة لبناء الأمن السياسي، ليصبح تالياً رجل الخدمات وتأمين المستلزمات لكافة الأفرع، إلى جانب تنفيذ العديد من المشاريع لصالح منظمات عالمية. ومنذ تعيين محمد عينية، ليّن الجانب، محافظاً لدير الزور، لم يعد لذلك المنصب أي معنى أمام حضور أبو سعيد، الذي صار قسم من أهالي مدينته يطلق عليه وصف المحافظ، ولكن الذي يعيش معهم بتواضع، ويوزع على فقرائهم مبالغ في المناسبات، ويعبأ أمواله بالشوالات، رغم أنه ما زال يلبس بوطه الرين ويستجدي حصصاً من الهلال الأحمر!
ليس من السهل الوقوف على مشاريع أبو سعيد، لكن أشهرها صناعة الألبان والأجبان وحفر الآبار واحتكار المواد الغذائية المسقطة من الجو وتأمين الوقود من القامشلي، ومؤخراً جلي بلاط ساحات المحافظة الخارجية! أي، باختصار، الثراء بأي طريقة، ودون النظر إلى المحاذير التي يخشاها سواه. فمع الزمن تحولت المناطق التي يسيطر عليها النظام في دير الزور إلى مناطق نفوذ، يتقاسمها كبار ضباط الأمن والجيش وقادة الميليشيات التي يقود أحدها جمعة المختار أخو أبو سعيد، وتتكون من شيعة قرية حطلة، لكن نفوذ أبو سعيد المالي الخدمي يتجاوز كل هذه التقسيمات.