يومٌ مع تجّار الآثار

حفريات غير مشروعة في دير الزور | من موقع المديرية العامة للآثار والمتاحف

لم تكن الرحلة بين البوكمال والميادين رحلةً عاديّةً لـ"عين المدينة"، فالتجسّس على تجار الحروب والاطّلاع على بعض عوالمهم وأسرارهم شيءٌ لا يحدث كل يوم.

في سيارةٍ فاخرة، ومع تاجري آثارٍ وسمسارٍ لهما، كانت رحلتنا القصيرة لكن المليئة بالحقائق المؤسفة التي تثقل كاهل الثورة والناس.
أشرار هذه المغامرة سوريون للأسف، والمؤسف أيضاً أن لا أبطال فيها؛ ثامر السمسار وأحمد التاجر وشريكه خالد، هذان الأخيران اللذان كانا يحمدان الله أنهما تركا العمل بتكرير النفط. "الحمد لله الذي أبعدنا عن الحرام" قال خالد.

 

سؤالٌ وجواب

أثناء الطريق كان ثامر يروي للتاجرين قصة قطعةٍ أثريةٍ وجدها أحد المنقّبين ويريد ثمنها 75 ألف ليرة سورية. ثم أخرج لهما الصور ليشاهداها، فإذا بقطعةٍ تشابه تمثال ربّة الينبوع، وجدها أحد الحفّارين في منطقة ماري بالقرب من البوكمال. ولأنه جاهلٌ بالقيمة الحقيقية لمثل هذه القطع الأثرية، اصطاده السمسار ليكون فريسةً لهذين التاجرين، اللذين اتفقا ـ بعد نزول السمسار من السيارة ـ أن سعرها 5 ملايين ليرة سورية، وأن يدفعا للسمسار 100 ألف.

هنا امتلكنا الجرأة لنسأل: "وهل تجارة الآثار حلال؟" فأجابنا أحمد: "نعم. نحن لدينا فتوى من عدّة شيوخٍ أن تجارة الآثار ليست حراماً، فهي لا تؤذي المسلمين".
لم ينتهِ الحوار إذ سألنا: "ألا يضايقكم الجيش الحرّ في عملكم، أو يسألوكم عن هذه القطع الأثرية أين هي؟" فضحك خالد مستهزئاً وقال: "جميعهم أبناء عمّنا، ونمون عليهم".
وقد أضحكتني جملةٌ قالها خالد: "لا يضايقنا أحدٌ سوى الإعلاميين، الذين يستشرفون علينا وهم من دمّر البلد بكذبهم!".

 

تجارةٌ عامّة

كنا نحسب أن هذين التاجرين اختصّا بتجارة الآثار، لكن الذهول أصابنا عندما أجاب أحمد على مكالمةٍ هاتفيةٍ أبلغه أحد السماسرة فيها أن التاجر التركي عرض أن يدفع ثمن رأس حفارةٍ نفطيةٍ 9 ملايين فقط، فغضب أحمد وقال مجيباً: "أقلّ من 15 مليون ما توفّي معي!".
أثناء ذلك كان خالدٌ يحدّثنا عن قطعةٍ أثريةٍ يقول إنها تعود إلى العصر العباسي، اشتروها من أحد عناصر الجيش الحرّ، الذي قال إنه استخرجها من السوق المقبي في مدينة دير الزور.
ورغم ذلك لم تنتهِ الصفقات، إذ روى لنا خالدٌ قصة بيعهم لهجنٍ عربيةٍ أصيلةٍ قدّمها أحد أمراء الخليج هديةً لمحميّة التليلة الطبيعية، ولكنها فرّت من المحميّة فأمسكها أحد الصيادين الهواة، فاشتروها منه وباعوها بمبلغ 4 مليون ليرة سورية.
وبعد أن فرغا من استعراض عضلاتهما التجارية سألناهما: "أنتما تعملان في التجارة العامة إذاً؟" فأجابا: "لا. نحن فقط نتاجر بالآثار، لكن لا مانع من بعض الصفقات الرابحة. ورب العالمين بارك بالتجارة".

 

تساؤلاتٌ ذاتية

انتهت الرحلة العجيبة وبقيت لدينا تساؤلاتٌ لا يجيد هذان التاجران الإجابة عنها، وهي مَن هذا الذي يفتي لهؤلاء الأشخاص بجواز التجارة بالآثار وممتلكات البلاد الطبيعية والتاريخية؟ أين الجيش الحرّ وأين القسَم الذي أقسمه على حماية الشعب والبلد؟ أين الناشطون والإعلاميون عنهم؟ وكيف تغيب عن الرقابة الإعلامية، على أقل تقدير، هكذا شريحةٌ من تجار الدم الذين يعبثون بتاريخ الوطن ومقدّراته دون أن يأبهوا لشيء؟
ثم مَن هذا العنصر الذي يسرق آثار مدينته ليبيعها بدل أن يقف على الجبهات ويقاتل ذوداً عن هذه القطعة التي سرقها؟ وكيف يدخل التجار الأجانب إلى داخل البلاد ويشترون ويبيعون دون أن يكون عليهم رقيب؟ ثم أين الجيش الحرّ الذي يسيطر على المعابر الحدودية ويسمح بخروج الآثار ورؤوس الحفارات النفطية وغيرها من الأملاك العامة؟
قد يكون هذان التاجران العابثان، وغيرهما، من ضعاف النفوس الذين يلهثون وراء المال؛ لكن من حقنا أن نسأل أين أصحاب النفوس الأبيّة؟ أين من يغار على بلده، ومن خرج ضد سرقة خيراته وحضارته؟ وأين حملة السلاح من الجيش الحرّ، الذين يلتهون اليوم بالاقتتال فيما بينهم وقد تركوا البلاد فوضى لهؤلاء اللصوص؟ وفي النهاية... لا بد من التذكير بأن من يستحق العيش على هذه الأرض الطيبة هو الذي يصونها ويحميها من جهل العامّة وتسلّط الطغاة.