منذ أربع سنواتٍ ونحن نعيش في مخيّمٍ للاجئين في العراق

لينا كورنر/ الغارديان/ 11 نيسان 2015
ترجمة مأمون حلبي

هربت آفين حسن وزوجها وأطفالها من بيتهم في دمشق عندما اشتدّ القتال عند بابهم. وهي هنا تصف الحياة في مخيّم اللاجئين الشاسع الذي يتدبّرون معيشتهم فيه.

منذ أربع سنواتٍ تقريباً ونحن هنا. ما زلت عاجزةً عن تصديق ذلك. كنا نعيش فيما كان منطقةً جميلةً من دمشق. كنت أُدير صالون تجميلٍ، وكان زوجي محاسب مطعم. كانت لدينا أربع بناتٍ، وكنا نعيش حياةً حلوة. عندما اندلع القتال بين قوّات المتمرّدين وجيش الأسد خارج بيتنا كان علينا أن نغادر. إحدى البنات، وكانت في سنّ الخامسة وقتذاك، وجدت رصاصةً في إطار نافذتنا الأمامية. كنا نعيش في شقةٍ في الطابق الأرضيّ، لذا عندما اشتدّ القتال كنا عالقين وسط المعمعة. ساءت الأمور لدرجة أننا لم نستطع أن نغادر البيت لثلاثة أيام. انقطعت الكهرباء والماء عنا، وأخذ الطعام ينفد. بدأت أظن أننا سنموت جميعاً من الجوع. في اليوم الرابع هدأ القتال فقرّرنا أن نركض هاربين. لم نأخذ معنا أيّ شيءٍ سوى حقيبتي اليدوية وأوراقنا الثبوتية ونقوداً وعقداً ذهبياً كانت أمي قد أعطته لي. كان علينا أن ننسى كلّ شيءٍ آخر، لكن الأمر لم يكن مهماً بالنسبة إليّ. فالشيء الوحيد المهمّ كان إنقاذ حياة بناتنا. كانت أعمارهنّ وقتذاك سنة، و3 سنوات، و5 سنوات، و7 سنوات. حاولت أن أخفي خوفي عن بناتي وقلت لهنّ إن الأمور على ما يرام، إلا أنهنّ كنّ يعرفن أن شيئاً ما كان يحدث. كنّ خائفاتٍ، يبكين ويصرخن. كان من الصعب تهدئتهنّ.

استقلينا حافلةً إلى القامشلي قرب الحدود مع العراق، مع مئاتٍ من السوريين الآخرين الهاربين للنجاة بحياتهم. دفعنا لرجلٍ ما يساوي 2000 جنيهٍ إسترلينيٍّ لينقلنا تهريباً عبر الحدود إلى إقليم كردستان العراق. كنا ضمن مجموعةٍ مع عائلتين غيرنا و6 رجال. تناوب الآخرون على مساعدتي في حمل أطفالي. كان الأمر صعباً. ابنتي الصغرى، زيلان، كانت تبلغ 17 شهراً في ذلك الوقت. مشينا لأربع ساعاتٍ. في منتصف الطريق علق حذائي في الطين، فوصلت إلى العراق حافيةً ومنهكة. انتقلنا إلى خيمةٍ في مخيّم دوميز للاجئين. كان الصخب والفوضى يملآن المكان. يوجد حالياً 50 ألف شخصٍ هنا، في مخيّمٍ بُني ليستوعب نصف هذا العدد. كنا من أوائل الواصلين، ولم يكن حينها وجودٌ للكهرباء أو للحمّامات، وكانت دورة المياه تبعد عنا مسير 15 دقيقة. تخيلوا كم كان الأمر صعباً مع وجود أربع فتياتٍ صغيرات. استمرّت بناتي بالسؤال: "لماذا نحن هنا؟ لماذا نعيش في خيمة؟ متى سنعود إلى بيتنا؟"، ودائما كنت أجيب: "سنعود، فقط عليكنّ بالصبر". مضت أربع سنواتٍ، وتوقفن عن طرح الأسئلة. نسينَ كلّ شيءٍ يتعلق بوطنهنّ، وهذا ما يجعلني حزينة جداً. لم أتصوّر أبداً أني سأربّي أولادي في مخيمٍ للاجئين. أبداً.

تحسّنت الأمور ببطءٍ. بعت عقد أمّي بمبلغ 400 جنيهٍ إسترلينيٍّ لتاجر مجوهراتٍ في مدينة زاخو القريبة. اشتريت قليلاً من مواد الماكياج ومجفّف شعرٍ وبدأت أعرض خدماتي في التجميل لفتياتٍ يتزوّجن في المخيم. توسّع عملي بالتدريج، وبعد بضعة شهورٍ استطعنا أن ندفع لأحد العمال ليبني لنا بيتاً قرميدياً، ثم بنينا صالوناً للتجميل بجواره. إنه بيتٌ صغيرٌ، لكنه أفضل من الخيمة. لدينا الآن دورة مياهٍ وحمامٌ خاصَّين بنا، وفي الشتاء لدينا حتى ماءٌ ساخن. أوّل وصولنا لم أكن أسمح لبناتي أن يغبن عن ناظري. كنت قلقةً بخصوص كلّ شيء. اعتادت البنات أن يلعبن خارج الخيمة. أصبحن ضجراتٍ ومشاكسات، ولأني كنت مرهقةً من العمل طوال الوقت كنت أغضب منهنّ. على الدوام كنت أحلم أن أقدّم لأبنائي تعليماً أفضل من الذي حصلت عليه. اضطررت إلى ترك المدرسة في السادسة عشرة من عمري لأن أمي كانت مريضةً وبحاجةٍ إلى أن أعتني بها. كنت أحبّ الدراسة وكنت متفوّقةً فيها. كنت أريد لأبنائي أن ينالوا كلّ الفرص التي فاتتني. افتقارهم إلى التعليم كان أكبر خوفٍ يتملكني. لحسن الحظ، افتتحت مؤسسة "أنقذوا الأطفال" مركزاً هنا، وبدأت بناتي الثلاث بالذهاب إليه 3 أيامٍ في الأسبوع. أحدث هذا الأمر فرقاً كبيراً، عدا عن أنه مكّنني من تأدية عملي. بعد عامين من وجودنا هنا اكتشفت أني حامل. وقبل بضعة شهورٍ أنجبت فتاةً أسميتها ميديا، وهي بالنسبة إليّ الشيء الجيد الوحيد الذي قدّمته لي هذه المحنة.

منذ أربعة شهورٍ سافر زوجي إلى ألمانيا ليحاول الحصول على إقامةٍ لنا. والداي وأختان و3 أخوة، جميعهم يعيشون في مدينة بريمن. نحن متشوّقون إلى الذهاب والالتحاق بهم. من المحزن أن يضطرّ المرء إلى مغادرة وطنه. لم يتبقّ لي أحدٌ من عائلتي في سوريا الآن. فالوضع هناك خطرٌ للغاية، والأمن معدوم. لن أعيد أبنائي إلى بلدهم حتى تتمّ تسوية الأوضاع، ويتملكني قلقٌ لا ينتهي من أنهم يكبرون في مخيّمٍ للاجئين. لكنهم أطفال، وآمل أنهم سينسون.