- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
لقاء مع أحد المفرج عنهم من سجون وحدات الحماية الكردية
ظروف الاعتقال
كحال الكثيرين، اضطر (ع. ش) إلى السفر من ريف حلب الشمالي إلى ريفها الغربي سالكاً الطريق الوحيد عبر عفرين، فزوّر هوية شخصية باسم مستعار، وفي عفرين أوقفه حاجز للحزب، وأثناء التدقيق اعترف الشاب باسمه الحقيقي وأنه ابن ثائر في الشمال، فنُقل إلى مخفر قريب خضع فيه للتحقيق، وبعد ساعات نقل إلى «فرع مكافحة الإرهاب» أو ما يطلق عليه «السجن الأسود» في منطقة راجو، وهو معصرة زيتون قديمة بنيت داخلها 8 مهاجع وقرابة 40 منفردة، يحوي المهجع الواحد بين 60 إلى 80 سجيناً. بعد أربعة أيام في المنفردة -خضع خلالها للتحقيق مرّتين- نقل إلى المهجع العام.
حفلة التعذيب
سبقت التحقيق ساعة من التعذيب الذي تراوحت أساليبه بين الشّبح والضرب بـالكرباج والتعليق على «البلنجو»، إلى استخدام الكهرباء وقلع أظافر الرجلين. ثم بدأ التحقيق مع شاهدنا جاثياً على ركبتيه معصوب العينين، والمحقق يتلذذ بحصة قاسية من الإرهاب النفسي، فتارةً يهدده بتسليمه إلى حاجز قوات النظام عند نبّل والزهراء، وتارة يخيّره بين حركة النجباء العراقية وحزب الله، وتارة يطمئنه قائلاً: نحن إخوة أحرار مثلكم ضد هذا النظام.
السجناء عن كثب
لا يحوي السجن شبيحة ولا مخبرين للنظام، بل ينتمي 95% من معتقليه إلى الجيش الحر أو من أقربائهم، فالقرابة تهمة في حد ذاتها، وحيازة صورة لمقاتلي الحرّ على الهاتف من الكبائر أيضاً. خلف القضبان معاقون وأطفال وكبار في السّن، أما عن المظلومين فحدّث ولا حرج، وهذه قصص بعضهم:
بين السجناء بعض مهجّري خان الشيح وغيرها من بلدات ريف دمشق، الذين نُقلوا بالباصات الخضراء إلى إدلب، إذ أراد بعضهم الانتقال إلى مدينة اعزاز عبر عفرين فاعتقلوا على مدخلها.
استقبل السجن الأسود أيضاً 36 شخصاً من حلب -معظمهم مدنيون- وعلى أجسادهم آثار تعذيب. كانوا ممن فرّوا باتجاه حيّ الشيخ مقصود خلال الحصار، حين أعلن حزب PYD «مدّ ذراعه للمدنيين واستعداده لتسوية أوضاعهم» إلا أنه اعتقل قرابة 350 شخصاً منهم، قضوا شهراً في فرع الشيخ مقصود، ونقلوا بعدها إلى سجن «المغارة» في عفرين حيث تعرّضوا للتعذيب، ثم نقلوا أخيراً إلى سجن راجو الأسود.
يتابع ضيفنا: أحد السجناء طفل كردي (15 عاماً) كان مقاتلاً في صفوف وحدات حماية الشعب، واعتقل على خلفية اعتزاله القتال، وهي جريمة في عرف الحزب الذي يتّبع سياسة التجنيد الإجباريّ. مقاتل كردي آخر (17 عاما) قضى أكثر من 3 أشهر في سجن المغارة، واعتقل على خلفية اعتزاله القتال أيضاً بعد إصابته في مدينة تل رفعت، ونتيجة عدم تلقيه العلاج داخل السجن أصيبت قدمه بالغرغرينا وبُترت.
سجين آخر (45 عاماً) اعتقل على خلفية مطالبته باسترداد دين له من أحد عناصر الحزب، فقضى 3 أشهر في المنفردة. بين السجناء أيضاً شابّ من دير الزور مرّ بعفرين قاصداً تركيا، فاعتقل بسبب صورة على هاتفه مع ابن عمه من الجيش الحر. وبين النزلاء، الذين يقدّر عددهم بـ(600-700)، خمسة أجانب فقط ينتمون إلى داعش من فرنسا وليبيا وتونس. يقيم نزلاء السجن الأسود حتى يحالوا للمحاكمة، وقد ينتظر الواحد منهم 3-5 أشهر ريثما يأتي موعده.
اعتقل أحد السجناء بسبب صورة له مع مقاتل من جبهة النصرة، فتم الضغط عليه لتسجيل فيديو يعترف فيه بتبعيته للقاعدة، وأنه قدم إلى عفرين لتنفيذ عمليات داخلها بطلب من جبهة النصرة، وكان ذلك مقابل نقله من المنفردة إلى المهجع العام!
سجن المغارة
يعرف من سجون الحزب في مدينة عفرين «السجن المركزي» و«السجن الأسود» و«سجن المغارة». عدد من السجناء الذين التقاهم ضيفنا حدّثوه عن سجن المغارة، وهو مغارة طبيعية في جبل وسط عفرين، تخلو من أدنى مقومّات الحياة، أسوأ ما فيها انتشار القوارض والحشرات، إنارتها خافتة جداً، ولها فتحة ضيّقة يتم إدخال الطعام من خلالها، ويقال إنها مخصصة للضغط على السجناء الذين يرفضون الإدلاء بالاعترافات.
ظروف إطلاق سراحه
يقول ضيفنا: بعد أربعين يوماً فوجئت -مع تسعة أشخاص- بقرار إطلاق سراحنا بـ«بادرة حسن نية من جيش الثوار» الذي نقلنا إلى تل رفعت. بقينا ليلة عنده، استمعنا خلالها إلى محاضرات في الوطنية والأخلاق وحسن التعامل، اختُتمت بدعوة إلى الانضمام إلى جيش الثوار، وهو ما فعله سجينان من الجيش الحر كانا معنا. واللافت أن بعض من التقيناهم في السجن كانوا ممن استدرجهم جيش الثوار من مناطق الحرّ للقتال إلى جانبه، وقبل وصولهم إليه اعتقلوا على حاجز للقوات الكردية!
وفي اليوم التالي خٌيّرنا بين إيصالنا إلى حاجز «كفر جنّة» باتّجاه اعزاز بريف حلب الشماليّ، أو حاجز «الغزّوايّة» باتجاه دارة عزة في الريف الغربيّ.
بعد أن تقرر إطلاق سراحنا لم يستعد أيّ منا أماناته، من هواتف ونقود وسيّارات، سوى مبلغ زهيد بالعملة السورية بالكاد يمكّننا من العودة إلى مناطقنا، رغم أن بعضنا كان يحمل آلاف الدولارات.