في مدينة الباب.. درع الفرات تقترب من تحقيق أهدافها

بتحرير قريتي قديران والدانا شمال مدينة الباب، ومزرعة كفير شرقها، اقتربت فصائل الجيش الحرّ إلى مسافة (2) كم من المدينة، ضمن عملية «درع الفرات» التي انطلقت ضد تنظيم داعش في ريف حلب، برعايةٍ ومساندةٍ من الحكومة التركية، أواخر شهر آب الماضي.

ويبدو أن تحرير قرية بزاعة، الملاصقة لمدينة الباب شرقاً على الطريق المتجه إلى منبج، هو الخطوة الواجبة على الجيش الحرّ لإكمال حصار داعش في الباب من الشرق والغرب والشمال، مع إتاحة الجنوب للتنظيم كممرٍّ لانسحابه المتوقع في الأيام أو الأسابيع القليلة القادمة.

خلال (80) يوماً تقريباً على انطلاق «درع الفرات»، التي بدأت بتحرير مدينة جرابلس ثم الشريط الحدوديّ غربها وصولاً إلى مدينة اعزاز، نجحت القوة المشتركة لفصائل (أحرار الشام والجبهة الشامية وفيلق الشام وأحرار الشرقية وفرقة السلطان مراد وفرقة الحمزة وكتائب الصفوة الاسلامية ولواء المعتصم)، بعدد مقاتلين يفوق (3000) مقاتلٍ وآخذٍ بالازدياد، في تحقيق تقدمٍ ثابتٍ نحو مدينة الباب، وطرد داعش من مواقعها الهامة في كلٍّ من الراعي ومرج دابق وصوران واحتيملات ثم قباسين وأخترين، إضافةً إلى عشرات القرى الأخرى. وأظهرت هذه الفصائل قدراتٍ لافتةً في التصدي لأساليب التنظيم القتالية، وخاصةً عبواته وعرباته الانتحارية المفخخة التي طالما استعملها في الهجوم والدفاع لزعزعة صفوف الخصوم، مما سلب داعش سلاحها الفتاك وأجبرها على مواجهة الجيش الحرّ بأسلوبه القتالي. بل استعملت بعض الفصائل أحد أساليب داعش الهجومية بالانغماس بمجموعاتٍ صغيرةٍ في عمق صفوف العدوّ ثم إطلاق الهجوم الموسع. ومكّن التحرير المتتالي لمرتفعاتٍ وتلالٍ القوات التركية المساندة من نصب مرابض مدفعيتها الثقيلة في مواقع آمنة، لاستنزاف داعش في مواقعها والتمهيد الناريّ لفصائل الحرّ قبيل الهجمات، بالتزامن مع المشاركة الفعالة لطائرات التحالف الدوليّ.

وتفاوت أداء داعش الدفاعيّ ودرجة إصرارها على المقاومة بين معركةٍ وأخرى. لكن، ومنذ طردها من بلدة أخترين قبل أكثر من شهر، تراجعت قدراتها القتالية بشكلٍ واضحٍ ولسببٍ غير معروف، لتتساقط القرى تباعاً في قبضة الجيش الحرّ. وتكشف المكالمات اللاسلكية الملتقطة بين قادتها الميدانيين في الأيام الأخيرة عن تهاوي الروح المعنوية لمقاتليها، وتكشف أيضاً -من خلال اللهجات السورية لهؤلاء القادة- عن غياب المهاجرين من قوة داعش المدافعة عن مدينة الباب. وتفيد الأنباء والمعلومات المسرّبة من المدينة عن ارتباكٍ كبيرٍ في صفوف «الدواعش»، يتبدى بالأوامر المرتجلة لمسؤوليهم المحليين، وبصرف الموظفين المتعاقدين في الأجهزة المدنية عن أعمالهم، وبتفكيك بعض المعدات والأجهزة وخطوط الإنتاج وغيرها استعداداً لنقلها إلى أمكنةٍ أخرى. ولم يتضح بعد قرار داعش بخصوص الأهالي العالقين في المدينة، مع حرصها على إبقائهم لأطول مدّةٍ ممكنةٍ فيها، لزيادة عدد الضحايا المحتملين نتيجة رمايات المدفعية والدبابات والغارات الجوية. واستمرّت أعمال الحفر والردم بغاية التفخيخ على أطراف المدينة.

ستهزم داعش حتماً في مدينة الباب، وستسحب منتسبيها المحليين وغيرهم نحو ما تبقى لها من مدنٍ وبلداتٍ في ريف حلب الشرقيّ وريف الرقة الغربيّ، لتتحقق الأهداف الرئيسية من درع الفرات بإقامة منطقةٍ آمنةٍ وتبديد أحلام حزب الاتحاد الديمقراطيّ الكرديّ PYD بوصل عفرين شمال حلب بمناطق سيطرته الأخرى. وستفرض هزيمة داعش في الباب الجيش الحرّ، مرّةً أخرى، كقوّةٍ رئيسيةٍ في خارطة الصراع. وستضعف، إلى حدٍّ كبيرٍ، مزاعم نظام الأسد من جهةٍ وحزب الاتحاد الديمقراطيّ من جهةٍ أخرى، بأنهما الأقدر على مكافحة إرهاب داعش في سورية.

تتجاوز مساحة العمران المتصل في مدينة الباب (450) هكتاراً، وفاق عدد سكانها قبل الثورة (150) ألف نسمة، مما يجعلها أول مدينةٍ كبيرةٍ يحرّرها الجيش الحرّ من تنظيم داعش. ومثلما يضيف هذا التحرير إلى رصيد القوى الثورية فإنه، في الحين ذاته، يضيف على كاهلها مسؤولياتٍ كبرى، لعل أبرزها قضايا الإدارة العامة وحفظ الأمن والسلم الأهليّ، إلى جانب التعليم والصحة والعمل والخدمات. وسيشكل تورط العشرات -من بين مئات المبايعين- من أبناء الباب في جرائم داعش أحد التحديات التي سيواجهها مجتمع المدينة ذو الصبغة العائلية المحافظة، ومما يعزّز الآمال في نجاح التجربة الثورية الثانية في المدينة إرادة أهلها في تجنب أخطاء الماضي ودرجة تعلمهم من الدروس القاسية الذي لقنوها خلال ثلاث سنواتٍ تقريباً من احتلال داعش.