فلاحو مناطق نبع السلام محاصرون بالأسعار الاحتكارية للقمح

لم تطرح مؤسسة الحبوب التابعة ل"لحكومة السورية المؤقتة" تسعيرة للقمح لهذا العام، على عكس السنوات السابقة التي وضعت فيها التسعيرة مع البدء بموسم الحصاد. وفي الأثناء يحدد التجار في مناطق "نبع السلام" سعراً للقمح لا يتجاوز ثلث السعر العالمي الحالي، في ظل انعدام الخيارات أمام الفلاحين الذين يجدون أنفسهم في منطقة مغلقة على ما فيها من سكان وسلطات وتجار من أصحاب الحظوة.

حدد التجار في منطقة نبع السلام 20 سنتاً أمريكياً لكيلو القمح الواحد و15 سنتاً لكيلو الشعير في ما يبدو أنه اتفاق احتكاري غير معلن، ولاقى هذا التحكم من التجار رفضاً شعبياً لجميع أشكال التحكم في كافة الجوانب الاقتصادية في المنطقة، حيث أصدر أهالي ووجهاء تل أبيض شمالي الرقة بياناً في 30 أيار الفائت طالبوا فيه قيادة "الفيلق الثالث" بشكل عام وقيادة "الجبهة الشامية" بشكل خاص لكف يد أبو أمين (أحد التجار في المنطقة) عن احتكار المحاصيل الزراعية وقوت الفقراء بعد مواسم الجفاف السابقة، وفق ما جاء في البيان.

واتهم البيان التاجر أبو أمين باحتكار المحاصيل الزراعية عبر بعض الأشخاص الذين لم يسمهم، كما اتهمه بزعزعة أمن واستقرار المنطقة لكونه السبب الرئيسي في وقوع اشتباكات سابقة سقط فيها إصابات بين المدنيين. في الوقت الذي يتناقص فيه أمل الفلاحين بمردود جيد للموسم الزراعي الجيد الذي جاء بعد الأمطار الغزيرة لهذا العام بعد عدة سنوات من الجفاف.

ويعتبر إغلاق منطقة نبع السلام التي تضم رأس العين شمالي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة الخاضعتين لسيطرة "الجيش الوطني"، على سكانها عاملاً إضافياً سمح للتجار في فرض أسعار متدنية. وربط من تحدثت إليهم عين المدينة في المنطقة غالبية التجار بالارتباط بالجيش الوطني، بل وذهب البعض إلى أن بعض التجار أصبحوا واجهات تجارية لقادة في فصائل الجيش الوطني.

"أبو فيصل" مزارع من منطقة رأس العين قال لعين المدينة أنه لن يبيع حبة قمح واحدة هذا العام إذا بقي السعر على حاله، وأنه مستعد أن يترك محصوله في العراء يتعفن وتخرب على أن يبيع بسعر لا يغطي مصاريف الزراعة. وتابع "لدي قسط مستحق للتاجر الذي اشتريت منه الطاقة الشمسية يقارب 8000 دولار أمريكي (ما يقارب ثمن 40 طن قمح بالسعر المحلي) وهو نصف ما أنتجته أرضي هذا الموسم، بالإضافة إلى مصاريف أخرى مثل سعر البذار بقيمة 700 دولار للطن".

وتواصلت عين المدينة مع العميد أيمن شرارة الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني للاستفسار حول الاتهام الذي يوجهه الفلاحون للتجار الذين يحتكرون تسعير القمح وشرائه من خلال علاقتهم بالجيش الوطني، لكن العميد أجاب بأن "هذا الأمر خارج عملي".

في حين نشر المجلس المحلي لمدينة رأس العين على صفحته في فيسبوك في الأول من شهر حزيران الجاري، إعلاناً حول رغبته في شراء 30 ألف طن من محصول القمح من الصنف القاسي ومن الدرجة الأولى حصراً، على أن يتم تحديد السعر لاحقاً. وقال الإعلان أن عملية الشراء المعلن عنها مستقلة عن عمليات الشراء من قبل مركز الحبوب التابع لمؤسسة الحبوب في المدينة.

ولاقى الإعلان استهجاناً وسخرية من المعلقين على المنشور في فيسبوك، حيث طالب العديد منهم تحديد السعر مباشرة، في حين علق الباقي بعبارة "السعر على الخاص" في محاكاة للتعليقات على صفحات التسويق الإلكتروني في فيسبوك. كما استهجن المعلقون طلب صنف محدد دون غيره متسائلين عن باقي الأصناف والمحاصيل الأخرى، في حين أعلن المجلس المحلي لمدينة تل أبيض هو الآخر نيته شراء نفس الكمية وبنفس المواصفات التي حددها نظيره في رأس العين.

مصدر خاص من الحكومة المؤقتة قال لعين المدينة أن الحكومة بصدد وضع تسعيرة لشراء المحاصيل الحقلية لهذا الموسم خلال الأسبوع القادم أو الذي يليه. وأشار المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن تأخير القرار مرتبط بانتظار إعلان شركات الحبوب التركية عن أسعار الحبوب لوضع تسعيرة مشابهة لها أو قريبة منها.

ويتخوف الفلاحين من أصحاب الأراضي البعلية من أن التأخير في إصدار الأسعار إلى اليوم هو عملية مدروسة لشراء المحاصيل المروية فقط وترك محاصيلهم للتجار وبالتالي ستباع بأبخس الأسعار. كما يبدي الفلاحون خشيتهم من أن تحدد مؤسسة الحبوب كمية معينة للشراء وترك الباقي للتجار، الذين يحاولون تحديد أسعار لا تتوافق مع المصاريف في هذا الموسم، في حين ما زال غالبيتهم يتذكر تجربة سابقة خلال موسم القطن إذ تجاوز السعر العالمي 1100 دولار أميركي للطن الواحد بينما بيع بما يقارب 600 دولار في المنطقة.

في هذا الصدد رأى "أبو علي" وهو فلاح في تل أبيض أن تحديد الحكومة المؤقتة لكمية معينة من المحصول تشتريها سوف يفتح الباب أمام تدخل الواسطات والمحسوبيات في عملية الشراء، بحيث يستطيع من لديه واسطة أن يصرف محصوله لمؤسسة الحبوب، أما من لا يملك أي واسطة فسوف يترك لمصيره وسيضطر في النهاية لبيع المحصول للتجار وبسعر لا يغطي نفقات ومصاريف الزراعة.

وأوضح عدد من الفلاحين في المنطقة لعين المدينة، أن عمليات البيع حالياً وبالأسعار المتدنية تتم فقط من قبل أفراد وقيادات في الجيش الوطني الذين زرعوا أراضي تم الاستيلاء عليها من قبلهم. وهؤلاء وفق من تحدثت إليهم عين المدينة "لم يتكلفوا أو يتعبوا في الزراعة مثل أصحاب الأراضي، وليس لديهم نفقات ومصاريف للزراعة البعلية، كما أنهم لا يدفعوا إيجاراً لأصحاب الأراضي التي زرعوها.

يشار إلى أن هيئة الزراعة والري التابعة ل"لإدارة الذاتية" المحاددة لنبع السلام، حددت سعر شراء كيلو القمح بقيمة 43 سنتاً والشعير بـ 35 سنتاً، بينما حددت اللجنة الاقتصادية في حكومة النظام سعر شراء كيلو القمح بـ 2800 ليرة (31 سنتاً وفق سعر صرف الدولار 8900 ليرة) والشعير بـ 2300 ليرة يتضمن كلاً منهم 300 ليرة مكافأة. بينما حددت وزارة المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبر المؤسسة العامة للحبوب في الموسم السابق أسعار القمح القاسي ب 47,5 سنتاً للكيلو، والقمح الطري ب 46 سنتاً.

ويعد محصول القمح أهم المحاصيل الشتوية التي يزرعها فلاحو المنطقة بالإضافة إلى محصول الشعير، ويشكلان مصدر الدخل الرئيسي لسكان المنطقة الذين يعتمدون في معيشتهم بالدرجة الأولى على الزراعة.