علينا الاستثمار في تعليم اللاجئين السوريين إن أردنا لدورة العنف أن تتوقف

ميليسا فيلمينغ*/ جريدة الغارديان
ترجمة مأمون حلبي

عندما أتحدّث مع لاجئين فرّوا من سوريا، كثيراً ما أسألهم: "ماذا أخذتم معكم؟ ما هو الشيء الأكثر أهميةً الذي لم تستطيعوا تركه خلفكم؟" تتنوّع الأجوبة: أحد الرجال أخذ صورةً لزوجته تعود إلى الزمن السعيد. احدى الصبايا حملت قطعة مجوهراتٍ كانت ترتديها في الاحتفالات. هاني، فتىً سوريٌّ يعيش حالياً في لبنان، قال لي إنه لم يتردّد عندما وصل القتال إلى الحيّ الذي يقطنه وكان عليه الهروب. "أخذت شهادتي الثانوية لأن حياتي تتوقف عليها". في مدينة حمص كان هاني قد خاطر بحياته من أجل قطعة الورق تلك. كان قد عانى الكثير في السير في بعضٍ من أخطر الشوارع في سوريا فقط لكي يصل إلى المدرسة. الطلاب الذكور من أمثاله كانوا هدفاً رئيسياً للقناصين أو للتجنيد الإجباريّ. دمّرت القذائف مدرسة أخيه. لكن إرادة التعلم لديه كانت أقوى بكثير من خوفه. شهادته الدراسية هي إثباتٌ على ما كان قد حققه، كما أنها المفتاح نحو التعليم الأعلى، وقد أخذها معه لأنه يرى فيها مفتاح مساعدته للخروج من هذه الأزمة. ذات مرّةٍ قال لي: "إن لم أكن طالباً فأنا لا شيء". ومع أنه وصل إلى لبنان قبل عامين، إلا أن شهادته الثانوية ما زالت مغلفةً بعنايةٍ وغير مستعملة. لقد بدأ اليأس يتسرّب إليه. نتراسل أنا وهاني من حينٍ لآخر، وفي إيميلٍ حديثٍ أرسل لي هذه القصيدة، وهي تلخيصٌ لحالته الذهنية: أشتاق لنفسي ولأصحابي/ ولأزمنةٍ كنت أقرأ فيها الروايات أو أكتب القصائد./ أشتاق للعصافير ولشاي الصباح/ لغرفتي وكتبي/ لنفسي ولكلّ شيءٍ كان يجعلني أبتسم./ آهٍ!/ كان لدي كثير من الأحلام التي كانت على وشك أن تتحقق.
أكثر من 3 ملايين سوريٍّ هم الآن في بلدان الجوار، ما يجعلهم أكبر مجموعةٍ سكانيةٍ لاجئةٍ في العالم، ويتزايدون وسطياً 100000 في الشهر. البنى التحتية في أماكن سكنهم استنفدت طاقتها، ويتمّ تخديمها من قبل وكالاتٍ إغاثيةٍ لا تموَّل بما يكفي وتعمل بما يفوق طاقتها. أكثر ما يقلقني هو مصير المليون ونصفٍ من الأطفال السوريين اللاجئين. عددٌ قليلٌ جداً منهم هم الآن في المدرسة. في لبنان يذهب إلى المدرسة واحدٌ فقط من كل خمسة أطفالٍ سوريين، وعلى مستوى الدراسة الثانوية ينخفض العدد إلى أقل من 10%. وقد بُذلت جهود لاستيعابهم في المدارس. لكن، بالنسبة إلى معظمهم، تكون المدرسة إما أبعد من أن يستطيعوا الوصول إليها، أو تكلف أكثر من طاقتهم. كثيرٌ من العائلات التي حلَّ بها الفقر ترسل أطفالها للعمل في الحقول والمصانع القريبة أو لبيع الحاجيات في الشوارع. مع ذلك يخبرنا الأطفال اللاجئون، تقريباً دائماً، أن التعليم أهمّ شيءٍ في حياتهم. عندما سألتُ فتاةً لاجئةً اسمها طيف، في مخيمٍ في وادي البقاع، ما هو الشيء الذي فرّت به، أرتني كتبها المدرسية. كانت قد قرأت هذه الكتب مرّاتٍ كثيرةً لدرجة أنها حفظتها غيباً. ولأنها غير قادرةٍ على دخول المدرسة فهي تعمل في الحقول مقابل 4 دولاراتٍ يومياً. عندما أعطيناها هديةً من عدّة كتبٍ بالإنكليزية أجهشت بالبكاء. كانت هذه أثمن هديةٍ استطاعت تخيلها.
لقد حان الوقت لنـفعل المزيد لأطفالٍ مثل طيف. الوكـالات الإغاثية، التي استنفدت طاقتها، ركّزت مواردها المحـدودة على تلبية الاحتياجات المادية للاجئين، كالبطانيات والطعام والمأوى. لكن هناك حاجــةٌ لفعل المزيد لتـلبية أحلام الأطفال الســوريين أيضاً. نحتاج إلى استثماراتٍ ضخمةٍ لمسـاعدتهم على متابعة تعليمهم. وعلينا أن نتذكر أن لدى اللاجئين أكبر رصيدٍ في إعادة بناء بلدهم الذي دمّرته الحرب. إنهم يستطيعون إيقاف دورة العنف، ويستطيعون أن يعيدوا وضع بلدهم على قدميه. وإن زُوِّدوا بما يلزم لفعل ذلك، بإمكانهم أن يصبحوا عامل تغييرٍ ومصالحةٍ وتحوّلٍ اجتماعيّ.
ما رأيكم في أن ننظر إلى مخيّمات اللاجئين على أنها أكثر من مجرّد مراكز سكانيةٍ مؤقتةٍ ينتظر الناس فيها انتهاء الــحرب؟ ألا يتوجب علينا، عوضـاً عن ذلك، أن نعتبرها أماكن ممتازةً يســتطيع فيها اللاجئون أن ينتصروا على مــحنتهم، وأن يُحَسّنوا مجتمعاتهم ويتدرّبوا من أجل عودتهم إلى الوطن؟

*ممثلة رئيس مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة.