شارع التكايا

بائع خبز في شارع التكايا بعد القصف -عدسة أحمد - خاص عين المدينة

بما تيسّر من ثياب، تتأنق فتاةٌ برفقة خطيبها إلى شارع التكايا، الذي استعاد شيئاً من عافيته السابقة. وأمام بقاليةٍ توقف العروسان لإلقاء نظرةٍ على مجموعة الحليّ المعروضة إلى جانب عبوات الزيت والبسكويت وعلب الدخان. مؤخراً أضاف صاحب البقالية الخواتم والأساور الذهبية إلى بضاعته، مبرراً ذلك، ووفق تعبيره الضاحك، برغبته في منح العرائس لحظةً رومانسيةً حُرمن منها، فقد كان الخاطب يذهب إلى الميادين وحيداً ليشتري خاتم الزواج. أما اليوم، وبعد تطوير البقالية، تستطيع العروس انتقاء خاتمها أو إسوارتها التي تريد.
تغيّر شارع التكايا عن عهده السابق، وتغيّرت هيئات روّاده، وتغيّرت نوعية البضائع والزبائن كذلك. فشاربو الكوكتيل في المحل المفتتح حديثاً لم يعودوا شباناً يبالغون في تمشيط شعورهم وحنجرة ذقونهم، بل صاروا مقاتلين يعصبون رؤوسهم بكوفياتٍ مختلفة الألوان. من البضائع المعروضة تشاهد لوازم ضروريةً لأيام الحرب، مثل ألواح البلاستيك التي تستخدم كبديلٍ عن زجاج النوافذ المتحطّم بفعل القصف، والجنازير والأقفال لإغلاق الأبواب بإحكامٍ خشية السرقة، ولواصق الفئران المتكاثرة. وعلى الرصيف يلفت الانتباه صاروخ طيارةٍ غير منفجرٍ يستخدمه كلوحةٍ تاجر ذخيرةٍ للدلالة على بضاعته المصفوفة على بطانيةٍ على الرصيف، من طلقاتٍ لمختلف أنواع الأسلحة، كالبنادق والبي كي سي ومضادات 12.5 و14.5، وحشوات مضادّ الدروع RBG. كان تاجر الذخيرة هذا مقاتلاً في الجيش الحرّ، لكنه، وبشراكةٍ مع بعض أصدقائه، تحوّل إلى التجارة. يجلب بضاعته من الريف ويبيعها بالمفرّق للكتائب الفقيرة
بهامش ربحٍ بسيط، كما يقول لزبونه في مفاوضةٍ عاجلةٍ تفاخر خلالها بقدرته على جلب قذائف الدبابات وعرضها على هذه البسطة.
من شارعٍ جانبيٍّ يأتي صوت رجلٍ يهدّد رئيس ورشة نقل أثاثٍ بالشكوى عليه عند الهيئة الشرعية لأنه لم ينقل كامل الأغراض إلى حطلة. نقل الأثاث مهنةٌ رائجةٌ في دير الزور. وتشرف عليها الهيئة الشرعية لقمع عمليات السرقة. وكذلك مهنة لحام الأبواب لإحكام إغلاقها، بعد أن تغلّب اللصوص على الأقفال والجنازير. تنظيف البيوت من الركام مهنةٌ جديدةٌ أيضاً، إذ يصعب على بعض العائدين تنظيف بيوتهم وحدهم، فيلجأون إلى ورشاتٍ متخصصةٍ في هذا العمل. ووفق تقديرات الناشطين بلغ عدد العوائل العائدة إلى الجزء المحرر من المدينة ثلاثة آلاف عائلة. ليرتفع العدد الكليّ للقاطنين إلى خمسة آلاف عائلة، يتوزّعون بمعظمهم على أحياء الحميدية والعرضي والشيخ ياسين. يوفّق بعض السكان إلى العثور على عملٍ بأجرٍ لا يكفي لسدّ كامل الاحتياجات، ولكن أيّ واردٍ ماليٍّ في هذه الظروف - كما يقول أحد عمال نقل الأثاث - هو واردٌ نافع، وخاصةً مع نجاح المنظمات الإغاثية في تقديم سلالٍ غذائيةٍ لمعظم السكان بشكلٍ منتظم.