ديرالزور والاحتجاجات (5) من (7)

رفعت وحافظ وبينهما مصطفى طلاس - من الإنترنت

بدأت التظاهرات في ديرالزور عام 1979، وتصاعدت من وقت لآخر تقودها النقابات المهنية، ويمثل الشباب العنصر الرئيسي فيها، بما في ذلك أصحاب الاتجاهات الحزبية، وعندما عم العصيان المدني أكثر المدن السورية، كانت الدير من بينها بطبيعة الحال، واستمر العصيان حوالي الأسبوعين، بينما استمر في حلب وحماة لأكثر من شهر تعطل خلالها الدوام الرسمي.

في الدير، وفي حالة من الغضب والانفعال، هاجم المتظاهرون عدداً من مقرات السلطة والحزب والشبيبة، وحدث بعض التخريب نتيجة لذلك، لكنه لم يكن عاماً، كما لم تحدث فوضى أو انفلات أو أعمال تخريب وإتلاف للممتلكات العامة، إلا في حالات محدودة، ولم تحدث عمليات نهب أو سرقات حسب شهادات الشهود التي حُفظ الكثير منها شفهياً، على الرغم من استهداف أحد البنوك في حالة منعزلة أو نادرة.

في 1 آذار من العام 1980، حدث إضراب عام دعت إليه النقابات المهنية، وشمل جميع المدن السورية، مع الاستثناءات التي أشرنا إليها فيما سبق (طرطوس والسويداء والعاصمة دمشق)، وكانت الدير في مقدمة المدن المضربة، وعمّت التظاهرات سائر المدن، وتعطلت الأعمال الرسمية.

في العاصمة دمشق كانت الأوضاع في غاية التوتر، وبدت العاصمة صبيحة الإضراب شبه مشلولة وأكثر المحلات شبه مغلقة، حتى بادرت المخابرات بإجبار أصحابها على فتحها. وفي اليوم الذي سبق الإضراب تسابق الناس لشراء المواد التموينية والخبز وغيرها، وخلت الأسواق من معظم هذه المواد.

في ديرالزور ردّت السلطة على التظاهرات الكثيفة بإطلاق الرصاص الحي، فسقط  كثير من الجرحى، واستشهد بضعة متظاهرين، من بينهم الشاب فؤاد بطاح، والمهندس لؤي كضيب الذي أُصيب بجراح نُقل على إثرها إلى دمشق للمعالجة لكنه توفي بعد أيام قليلة وخرجت في تشييعه جماهير غفيرة من أهالي الدير. ولم يُعرف مصير باقي الجرحى الذين قيل إنهم كانوا تسعة، وكذلك الشبان الذين تم اعتقالهم في التظاهرات، وقُدِّر عددهم بـ36 شاباً فُقد أثرهم منذ ذلك اليوم، ويرجح أنهم استشهدوا جميعاً في مجزرة تدمر الشهيرة في تموز عام 1980.

عقب الإضراب، وضمن بادرة فريدة لاحتواء الأحداث في المدن السورية، أرسلت السلطة وفداً لاستطلاع الأحوال في ديرالزور، برئاسة عبد الرؤوف الكسم رئيس الوزراء، وكان من بين أعضاء الوفد سعيد حمادي مسؤول الشبيبة، وفايز النوري رئيس محكمة أمن الدولة، وهما من ديرالزور. قابل الوفد عدداً من وجهاء الدير ورجالاتها، كان من بينهم الدكتور محمد علي الساعي والشيخ عمر النقشبندي والمحامي زكريا عبد الجبار وغيرهم، وحين قال أحد أعضاء الوفد إنه توقع أن تكون أعداد الضحايا والمصابين أكبر بكثير، وأنه لا يجد سبباً مبرراً لاحتجاجات بهذه الحدة، ردّ عليه الساعي بشدة وقسوة، وجاء في معرض رده: "هل تتحدثون عن أغنام وشياه، لا نقبل بأن تسيل قطرة دم واحدة.. هؤلاء أولادنا وفلذات أكبادنا".

كان موقف السلطة مؤشراً إضافياً على عدم جديتها في التهدئة والبحث عن حل سياسي، وبادرت بعد الإضراب إلى حل النقابات المهنية واعتقال قياداتها كافة والكثير من أعضاء مجالسها والزج بهم في السجون والمعتقلات وخاصة تدمر، وقد استشهد كثير منهم في مجزرة تدمر.

اتسعت بعد ذلك وبصورة هستيرية حملات الاعتقالات والملاحقات وتمشيط المدن، لاسيما حلب وحماة وجسر الشغور وأريحا وسرمدا في ريف إدلب، ولم توفر أحداً، وتتالت الأنباء عن قتل بالجملة في تلك المدن، وجثث مشوهة تُرمى في الشوارع وفي المقابر وقتلى تحت التعذيب في السجون والمعتقلات، ما رفع حالة التوتر في الشارع السوري، ودفع بالكثيرين إلى الاختفاء أو مغادرة سورية أو الالتحاق بالمسلحين.

 

معاذ السراج: من مواليد ديرالزور 1954، مهتم بتاريخ سوريا المعاصر والحركات الإسلامية، عضو في جماعة الإخوان المسلمين منذ 1973، عضو سابق في مجلس شورى الجماعة ومكتبها السياسي.