بين طائرات الأسد وإهمال المعارضة يصرّ أطفال جبل الزاوية على التعلّم

طلاب مدرسة ابتدائية في إحسم

في بلدة إحسم في جبل الزاوية، لا يبدو أن العملية التعليمية تسير بشكلٍ جيدٍ مع بداية العام الدراسيّ الجديد، كما هو الحال في كل القرى والبلدات والمدن المحرّرة.

لا يحب ّسكان إحسم التمييز بين الحكومة المؤقتة والائتلاف. فهما كيانٌ واحدٌ يُفترض فيه، وفق اعتبار السكان، أن يكون جهةً راعيةً ومسؤولةً عن تقديم الحلول لمشكلاتٍ كثيرةٍ تعاني منها البلدة وما يتبع لها من قرى. ويُفترض فيها أيضاً أن تحاول فعل شيءٍ، ولو من باب رفع العتب، كما يقول الناس هنا. أيّ شيءٍ، ولو تشغيل مدرسةٍ أو دفع رواتب للمعلمين. لكن فرضيات أهالي إحسم في غير محلها، فاتهام ثنائي الحكومة المؤقتة والائتلاف بالفساد والعجز واللامبالاة صار أمراً بديهياً، مثل اتهام نظام الأسد بالوحشية وارتكاب الجرائم.

 

قصّة رأفت

نجح رأفت في امتحان الثانوية العامة الذي أجرته وزارة التربية التابعة للحكومة المؤقتة. وكان الأوّل على محافظة إدلب، مما أهّله للفوز بالمنحة الدراسية التي قدّمتها بعض الجامعات الفرنسية للناجحين الأوائل في الامتحان المذكور، وهو ما أكّده موظفو الوزارة في مدينة غازي عنتاب التركية. تقدّم رأفت بكلّ ما يلزم من أوراقٍ ووثائق مطلوبة، وعاد إلى بلدته بانتظار إبلاغه بموعد السفر. يقول: "انتظرت موعد السفر لأشهرٍ طويلةٍ لأكتشف أن طالباً آخر ذا واسطةٍ أخذ فرصتي، وهو الآن في فرنسا". لم يستطع رأفت أن يحصل على مقعدٍ في الجامعة، لكنه حصل على بندقية. وتحوّل من طالبٍ يحلم بالجامعة الفرنسية إلى مقاتلٍ يتمنى أن ينجو بعد كلّ معركة.
بمرارةٍ يتساءل كثيرون من سكان إحسم: هل الائتلاف والحكومة نسخةٌ طبق الأصل عن النظام أم أنهما أسوأ منه؟ ويصرّ الحاج محسن، وهو ناقدٌ لاذعٌ، على تسجيل مثلٍ شعبيّ: "طلعنا من تحت الدلف لتحت المزراب".

مغامرة الذهاب إلى المدرسة

شكّلت مدارس جبل الزاوية هدفاً مفضّلاً لطائرات الأسد، مما دفع بكثيرٍ من الآباء والأمهات إلى التوقف عن إرسال أبنائهم إلى المدارس. لكن بقاءهم في المنزل، وفوات فصلٍ دراسيٍّ وراء آخر، بلا موعدٍ مرتقبٍ لخلاصٍ قريبٍ أو لزوال الخطر؛ دفع ببعض الأهالي إلى تجاهل تهديد الطائرات، والمغامرة بإرسال الأطفال إلى المدرسة. تقول أم عدنان: "أبوسه كلّ يوم قبل ما يروح عالمدرسة. بطّلت دايقه بشي لأني ما عدت أعرف إذا راح عالمدرسة بيرجع وإلا لأ". وتضيف بأنها لا تستطيع تحمّل رؤية ابنها أمياً وجاهلاً، ولا تستطيع أن تكون معلمةً له، فهي بالكاد تقرأ وتكتب. تتذكّر أم عدنان بألمٍ مقتل خمسة أطفالٍ وأربعة معلمين في قريةٍ مجاورة، وتحمد الله أن هجمات الطائرات على مدارس البلدة صادفت أيام عطلٍ أو أوقاتاً خارج الدوام. وتبدو الطفلة ريما أوفر حظاً من عدنان، فأمها خريجة لغةٍ عربية، وتستطيع أن تكون معلمةً لها. وتشير الأم إلى جانبٍ آخر من مشكلة التعليم في إحسم، وهي قلة الخبرة لدى المعلمين الجدد، أو من يُسمّون معلّمي "الوكالة" المؤقتون، ومعظمهم حملة شهاداتٍ ثانويةٍ فقط، لكنهم عُيّنوا في الشواغر التي خلّفتها عمليات فصل المعلمين وقطع رواتبهم من قبل وزارة تربية النظام، بسبب تأييدهم للثورة. المعلمة فتحية، وبعد ثلاثين عاماً في مهنة التعليم، كانت واحدةً من ضحايا الفصل: "نصّ عمري قضيته بالمدرسة. كانت بيتي الثاني، واليوم ما فيني أتحمّل سيرتها"؛ تتألم فتحية وهي تشرح تعلّقها العميق بعملها. وتحاول دعاء، وهي معلمةٌ شابةٌ، التخفيف عن فتحية بتذكيرها بالخراب الذي لحق بهذه المهنة: "لا تحزني، ما بقى أي نكهة للتدريس". وتعدّد دعاء عوائق ومنغّصاتٍ كثيرةً أهمّها رحلة أوّل كل شهرٍ إلى مناطق النظام لاستلام الراتب وما يرافق ذلك من مخاطر، ثم ندرة الكتب، والفوضى، وقلة التزام الطلاب بالدوام.

في الماضـــي كانـت في بلدة إحسم 8 مدارس للمراحل التعليمية الثلاث، وللتعليم النسويّ والمهنيّ كذلك. تعمل منها اليوم 4 مدارس فقط. وتقلّص عدد الطلاب من 1000 طالبٍ قبل الثورة إلى أقلّ من 400 اليوم.