بعد انقطاع لسنوات.. موالون في اللاذقية يتواصلون مع أقاربهم المعارضين

تعبيرية من الإنترنت

تتذكر سمر آخر حديث مع أختها قبل أكثر من عشرة أعوام. كل تلك الفترة من الانقطاع بسبب المواقف السياسية، كانت سبباً في مفاجأتها عندما تلقت مكالمة فيديو من عائلة أختها عبر برنامج الواتس أب بعد كل هذه السنوات، متحدين الخوف والوضع في مناطق النظام واختلاف الآراء، ويتحدثون فيها بشكل طبيعي وكأن كل هذه السنوات لم تمر، والغريب في الأمر هو حديث زوج أختها المنتسب لقوات النظام معها للاطمئنان عليها.

تشرح سمر أن كل ما عانته من ظروف صعبة ونزوح من مدينة اللاذقية بسبب موقفها المؤيد للثورة، لم يدفع أختها المؤيدة للأسد للسؤال عنها، حتى عند إصابة أحد أبنائها بقصف قوات النظام وخضوعه لعدة عمليات جراحية. وتبرر ذلك في حديثها لـعين المدينة، بـ"الخوف الذي يعيشه الأهالي في مناطق النظام، وما يترتب عليه من مساءلة أمنية، وكيف يعتبر المعارضين له بأنهم إرهابيون وخونة"، لذلك لم تجرب سمر أيضاً التواصل معها ضمن هذه الظروف، كي لا تسبب لها ولأسرتها أي أذى، خصوصاً مع موقف زوجها. لكن الاتصال المفاجئ أربك كل الحسابات.

 على أنها ليست الحالة الوحيدة التي يتواصل فيها موالون للنظام من مناطق سيطرته مع أقاربهم ومعارفهم المعارضين خارجها، فقد تكررت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، رغم الانقطاع الذي صار عمره سنوات؛ هذا الأمر يعيده بعض المعارضين إلى ما يعيش فيه الأهالي من وضع سيء ومتأرجح في مناطق الأسد والخوف من سقوط النظام، بينما يراه البعض تعبيراً عن الوضع الاقتصادي السيء والحاجة لأبسط مقومات الحياة، لكن بالعموم هناك حالة من انكسار الخوف من النظام في ظل ما يعانيه سكان مناطقه.

 يتحدث مصطفى بكري أحد المعارضين للأسد ويقيم في تركيا، أنه أيضاً تلقى اتصالاً من أحد أقاربه في مدينة اللاذقية قبل أيام، لكنه لم يستغرب الأمر كثيراً في ظل الوضع الراهن، معتبراً أنهم لا يعيشون قلقاً من سقوط النظام، فهناك الكثير من المرات التي طُرح فيها احتمال سقوطه، ولم يحدث أي تواصل، وكذلك في بعض المعارك التي جرت في ريف اللاذقية، حيث اقترب الثوار كثيراً من المدينة، لكن "لم نجد عودة لهذه العلاقات، بل على العكس، حينها كان يعيش الأهالي حالة رعب عند التفكير أن لديهم أقارب معارضون".

 ويرى أن السبب الأساسي هو الوضع الاقتصادي، الذي دفع النظام إلى تخفيف السطوة الأمنية لكي تعود العلاقات الاجتماعية، ويعاين المعارضون ما يعاني سكان مناطقه حتى من المؤيدين، وتنتعش بذلك عمليات تحويل الأموال إلى الداخل، التي يستفيد منها النظام أكثر من الأسر التي يتم تحويل المبالغ إليها، معتبراً أن الاقتصاد هو الذي غير ترتيبة العلاقات لدى المتواجدين في اللاذقية وغيرها من المدن التي يسيطر عليها النظام، لأنهم يدركون جدية الوضع ويرون أنه ليس هناك أي حلول سوى بالعلاقة مع أقاربهم في الخارج "لتحسين أوضاعهم وعدم الموت جوعاً".

 تجري الاتصالات بكثافة، ويتحدث فيها الناس عن أوضاعهم بشكل صريح، دون تلميح أو خوف كما كانت تجري المحادثات والمكالمات خلال السنوات السابقة. يروي حمزة أحد الشباب المنشقين عن الجيش ويعيش في تركيا بينما أسرته في اللاذقية، أنه كان يتحدث معهم كل ثلاثة أشهر مرة، وعبر التلميح بالرسائل غالباً، بحيث لا تتعدى بعض الجمل للاطمئنان على أحوالهم، بينما الآن يتحدث معهم بشكل يومي وباتصال يستمر لأكثر من ساعة، يخبرونه عن عدم توفر مقومات الحياة، وانعدام الحركة في الأسواق والشوارع جراء غياب المحروقات، وفقدان القدرة المالية لشراء الحاجات في ظل ارتفاع أسعارها.

يستغرب حمزة كثيراً من هذه الاتصالات، ومن أين واتت أسرته هذه الجرأة، خصوصاً وأن أخوته كانوا سابقاً يخفون أمر وجوده عن أصدقائهم في الجامعة، يؤكد أنه ما كان لتلك الاتصالات أن تتم لولا غياب للسلطة الأمنية، أو تخفيف كبير على القيود المفروضة على الناس، "ربما تفادياً لأي انفجار أو ردة فعل سوف تحصل جراء هذه الظروف الصعبة التي يمرون بها" حسب تعبيره.

 يشار إلى أن عدداً كبيراً من الأسر في مدينة اللاذقية قطعت علاقاتها بأقاربها خارجها خلال السنوات الماضية خوفاً من القبضة الأمنية التي يعيشون تحتها، أو ربما اختياراً للمواقف الصفرية في الوقوف مع النظام، بينما تغيرت الأحوال حالياً، وباتت ظاهرة للعيان عودة العلاقات الاجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تركت صداها علىفيسبوكالبرنامج المفضل لدى السوريين، من خلال تهنئة من خرج من سوريا ووصف الخارجين بالمحظوظين، والحديث عن الوضع السيء لمن بقي.