الحواجز كلاعبٍ أساسيٍّ في أزمة الغلاء نصف مليون ليرةٍ رشوةٌ لمقدّمٍ من القرداحة

حاجز في دمشق | من موقع www.dw.de

تسهم الرشوة الإجبارية المقدّمة لحواجز النظام الأسديّ في رفع أسعار البضائع إلى حدٍّ كبيرٍ في أسواق المناطق المحرّرة.

يشكو نوري، وهو سائق سيارة شحنٍ يعمل على طريق دمشق، الابتزاز والمعاملة السيئة التي يلقاها من جنود الأسد على الحواجز، حيث تتحوّل الرشوة إلى عملية سلب. ويذكر بعض الوسائل التي لجأ إليها للتخفيف من الخسائر، فيقول: حتّمت علينا الأزمة اختيار أنواعٍ معينةٍ من البضائع، بحيث تكون غير قابلةٍ للكسر قدر الإمكان وليست سريعة التلف، وليست باهظة الثمن أيضاً، كلّ ذلك للتأقلم مع التأخير والتشليح الذي يتعرّض له الناس على حواجز الجيش النظاميّ.
ويضيف نوري: ذات يومٍ كانت حمولة سيارتي من المناديل وفوط الأطفال. وعند وصولي إلى حاجز أبو الشامات اشترط عليّ قائد الحاجز أن أعطيه خمسة طرودٍ من البضاعة، قيمة كلٍّ منها 1000 ليرةٍ سورية. رجوته أن يخفض الرقم المطلوب، لكنه صرخ في وجهي قائلاً: شو رأيك تنزّل كل بضاعتك هلق للتفتيش؟ وأمرني أن أصُفَّ (أركن) سيارتي في مرآبٍ مجاورٍ سمّاه مرآب الدبابات. وبعد أن تركته ليهدأ اقتنع بأن يعود إلى شرطه الأول، 5000 ليرةٍ سورية.
هذا على حاجزٍ واحد، ولكن عمليات التشليح استمرّت حتى دفعت ما يقارب 15000 ليرةٍ سوريةٍ على حمولةٍ بسيطة المربح أساساً، الأمر الذي يضطرّني إلى تحميل هذه الخسائر على من أعاملهم من تجّار الجملة، الذين يحمّلونها بدورهم على المستهلكين.

عصام العبّار، صاحب مكتبة

في الميادين كانت لنا وقفةٌ مع صاحب إحدى المكتبات، الذي حاول التخلص من أن يرسل طلبيةً مستقلةً بسيارة شحنٍ فلجأ إلى إحدى شركات النقل العاملة على خطّ الشام، والتي يشتهر أغلب سائقيها بعلاقاتٍ حسنةٍ مع حواجز الجيش النظاميّ، تتيح لهم التنقل أيسر من غيرهم. ولكنه لم يفلت من ابتزاز الشركة له كزبونٍ مقابل ما يتمتع به سائقوها من شطارةٍ في التنقل بين دمشق والميادين، إذ فوجئ بأن فاتورة نقل عدة صناديقٍ من الكتب والقرطاسية قد بلغت 45000 ليرةٍ سورية. وحجّة الشركة في ذلك أنها تضطرّ إلى دفع مبالغ مقطوعةٍ عند كلّ حاجزٍ كي لا يفتّش الباص بدقة، فهذه الرشاوى التي يدفعها السائق، وهي بمعدّل 5000 ل.س على الأقلّ عند كلّ حاجز، هي بطاقة المرور التي تتيح له العبور منها بسهولة نسبياً. يقول عصام: رغم أنني لست راضياً عن زيادة قيمة السلع على زبائني، إلا أنني مضطرٌّ إلى ذلك. فكيف لي تحمّل هذه الخسارة القسرية التي يفرضها علينا التشبيح وسلب الأموال؟

شريف العمران، صاحب محل ألبسة

يشترك شريف مع عشرةٍ من أصحاب محالّ الألبسة الرجالية، تتوزّع بين الميادين والبوكمال، في نقل بضاعتهم، التي تتجاوز قيمتها الثمانية ملايين ليرة سورية في بعض الأحيان، مستخدمين سيارة قاطرة ومقطورة تنطلق من دمشق، بمعدل نقلةٍ كلّ شهرين إلى ثلاثة أشهر. الأمر الذي يسيل لعاب ضباط الحواجز، لتطوير تقنيةٍ لسرقة أكبر مبلغٍ متاحٍ من هذه الحملات المغرية. وعن الطريقة التي يتّبعها هؤلاء التجار يقول شريف: نحن «نتفاهم» مع ضابطٍ برتبة مقدّمٍ من القرداحة، على حاجزٍ مهمٍّ وأساسيٍّ من بين الحواجز الـستة عشر، ويسهّل هو باتصالاته الخاصة مرورنا ببقية الحواجز، (طبعاً هناك تقاسمٌ بينه وبين المسؤولين عنها). ولكنه يتقاضى مبلغاً كبيراً جداً مقابل ذلك، يصل إلى نصف مليون ليرةٍ سوريةٍ عادةً على حمولتنا الكبيرة، فيضطرّ جميع هؤلاء التجار إلى أن يضيفوا إلى أسعار البضائع مبالغ كبيرةً هي الأرباح + أجور النقل والرشى. فمثلاً الجاكيت المصنوع من الجلد الصناعيّ نشتريه بـ2500 ل.س تقريباً ونبيعه بـ4500 ل.س في أسوأ الأحوال. وقس على ذلك.
الغلاء إذاً هو لعبةٌ من ألعاب النظام، يحاول بها أن يركّع من طالب بحقوقه من المواطنين، من خلال محاربتهم في رزقهم ولقمتهم. ولكن هيهات له ذلك من شعبٍ يقدّم الأرواح رخيصة، ولن يرضى بديلاً سوى النصر، مهما كلفــه ذلك من ثمن.