- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
الجانب المالي للتعليم في منبج تحت سلطة (الإدارة الذاتية)
ظل التعليم في مدينة منبج أسيراً للتفاهمات أو الانقسام بين سلطتي "الإدارة الذاتية" ونظام الأسد ومؤسساتهما التعليمية، الأمر الذي انعكس سلبياً وبشكل واضح على كافة مراحل العملية التعليمية، بدءاً باختلاف وتدني أجور المعلمين كما كفاءتهم، مروراً بتحول الدروس الخصوصية إلى سوق سوداء يستنفذ فيها المعلمون كل طاقاتهم والأهالي مدخراتهم، وصولاً إلى هجر المدارس العامة والتوجه إلى المدارس والمعاهد الخاصة.
"أخرج من منزلي في الثامنة صباحاً، ولا أعود قبل التاسعة ليلاً" بهذه الكلمات يلخص الأستاذ "إبراهيم" رحلة عمله اليومية في التعليم ضمن حدود مدينة منبج بريف حلب. "إبراهيم" اسم مستعار اخترناه -لضرورات أمنية- لأحد المدرسين القائمين على رأس عملهم في منبج الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية" منذ العام 2016 بعد نزعها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية بهجوم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
"لا استقلالية في التعليم" يقول إبراهيم في معرض حديثه، فالتعليم في منبج مشترك بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وبين نظام الأسد، يتقاسم الطرفان أدوارهم في دوران عجلة التعليم هناك، فيقع على عاتق لجنة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية، تجهيز الأبنية المدرسية ورفدها بالتجهيزات اللوجستية وتأمين قسم من المعلمين، ويتدخل النظام بفرض معلمين آخرين تابعين له، إضافة إلى رفد المدارس بالمناهج التعليمية الصادرة عن دور الطباعة في وزارة التربية التابعة للنظام.
ضمن الكادر التعليمي للمدرسة الواحدة في منبج، لا عجب إن رأيت معلمين يأخذون مرتبهم الشهري من الإدارة، وآخرين ما زالوا على سجلات مديرية التربية في حلب التابعة للنظام يتلقون مرتباتهم منها.
وبالحديث عن المرتبات، لا بد من الإشارة إلى الفروق المالية بين المرتبات التي تقدمها "الإدارة" للمعلمين والتي يبلغ متوسطها 250 ألف ليرة بحسب الشهادة وسنوات الخدمة، وبين الرواتب التي يوفرها نظام الأسد لمعلميه والتي لا تتجاوز في أحسن الظروف 100 ألف ليرة شهرياً.
يتابع السيد "إبراهيم" حديثه عن عمله في التعليم ليكشف سرّ طول ساعات عمله التي تتجاوز الاثنتي عشرة ساعة فيقول "أعطي الدروس الخصوصية لعدد من الطلاب بعد انتهاء عملي في المدرسة، بسبب انخفاض جودة التدريس في المدارس العامة، وعزوف الأهالي عن إلحاق أبنائهم في المدارس الخاصة بسبب ارتفاع أقساطها".
وبالحديث عن التعليم الخاص والعام في منبج، تجدر الإضاءة إلى أنّ مستوى التعليم في المدارس منخفض إلى حدّ كبير كما رصدت "عين المدينة"، وربطت العديد من الآراء الأمر بعدم استقلالية التعليم في المدينة، وتدني كفاءة المعلمين إذ أن السواد الأعظم من معلمي المدارس العامة في منبج هم من حملة الشهادة الثانوية "البكالوريا" ويعملون بصفة "الوكالة"، مع الأعداد الكبيرة للطلاب إذ تتراوح أعداد الطلاب في الصف الواحد ما بين 40 و45 طالباً، يضاف إليها انخفاض أجور المعلمين الشهرية مقارنة بالمصاريف، ما يدفع المعلم إلى اللجوء إلى عمل إضافي بعد انتهاء الدوام، سواء بإعطاء الدروس الخصوصية كما يفعل "إبراهيم" أو اللجوء إلى عمل آخر يؤمن له دخلاً ثانياً يساعده في تغطية مصاريفه الشهرية، الأمر الذي يعود بالانعكاسات السلبية على كمية عطاء المعلم في الصفوف العامة، إضافة إلى عدم وجود خطة تعليمية من القائمين على ملف التربية والتعليم في الإدارة الذاتية لتطوير العملية التعليمية وتذليل التحديات ودعم القطاع التعليمي.
على الجانب الآخر -وفي ذات المدينة- ينشط التعليم الخاص، والذي عادة ما يكون حكراً على فئات ميسورة بسبب ارتفاع أجوره سواء في الدروس الخاصة ضمن مجموعات، أو عبر التسجيل في مدارس خاصة موجودة أصلاً.
وعلى الرغم من قلة المدارس الخاصة (مدرستان فقط) هما "العباس" و"المنارة"، وارتفاع أقساطهما التي تتراوح ما بين 700 و800 ألف ليرة سورية في العام الدراسي للفئات العمرية الصغيرة، ونحو مليون ليرة وأكثر لمرحلة التعليم الأساسي والثانوي، إلا أنّ شريحة لا بأس بها من أهالي منبج يرسلون أبناءهم إليها، رغم أنّ المنهاج الدراسيّ فيها أيضاً من مناهج النظام، إلاّ أنّ ما يميزها هو وجود معلمين اختصاصين لكل مادة ولجميع المراحل.
يقول "أبو محمد" وهو والد طالبين في إحدى المدارس الخاصة "أتحمل المصاريف السنوية لأقساط مدارسهم، لكنني أضمن أن يتلقى ولداي تعليماً جيداً يؤمن لهم مستقبلهم إلى حد ما".
يعلّق الأستاذ إبراهيم "الأهالي هم من رجحوا كفة التعليم الخاص في منبج" حيث أن شريحة واسعة من أهالي المدينة اتجهت نحو التعليم الخاص لعدة أسباب على رأسها تردي التعليم في المدارس العامة، والحاجة في بعض الحالات لمعلم خاص لطلاب فاتتهم مراحل تعليمية بحكم الظروف التي فرضت على العائلة السورية إما بالنزوح أو حرمان أطفالهم من الذهاب للمدرسة بظروف معينة، فيكون المعلم الخاص حاجة أساسية لتعويض ما فقده الطالب المنقطع عن الدراسة، وفي مراحل الشهادات "تكون الدروس الخصوصية بمثابة الذخيرة التي لا بد منها للوصول إلى الهدف المنشود" وفق ما يرى من تحدثت إليهم عين المدينة من الأهالي.
يتنوع التعليم الخاص في منبج بين الالتحاق بالمدارس أو المعاهد الخاصة، أو عن طريق الاتفاق مع مدرس خاص، وهنا إما أن يأتي المعلم إلى منزل الطالب، أو يقصد الطالب منزل المعلم لتلقي الدروس.
تصل تكلفة المادة الواحدة كالرياضيات مثلاً في المرحلة الثانوية إلى 1000 دولار ومثلها للفيزياء، و800 دولار لمادة الإنكليزي يدفعها الطالب للمعلم إذا كان لوحده. أما إذا كان ضمن مجموعة فيقسم المبلغ على عدد أفرادها، على أن لا تتجاوز خمسة أشخاص. أما بالنسبة إلى التعليم الأساسي فتتراوح الأسعار بين 300 و600 دولار للمادة الواحدة، في حين تتراوح أجور المعلم الخاص لتعليم الصغار 100 و250 ألف ليرة سورية للطالب الواحد شهرياً، بحيث يتكفل بتدريسه كافة المواد عدا اللغة الإنكليزية.
تعتمد المدارس الخاصة في منبج على مناهج وزارة التربية التابعة للنظام، ويصل التنسيق بينها وبين مديرية التربية إلى ترخيص تلك المدارس لديها، واعتراف المديرية بالشهادات الصادرة عن تلك المدارس.