البيت الديريّ، نمطٌ عمرانيٌّ قد تجهز عليه الحرب

بعد إزالة بيت قديم | الميادين | عدسة بلال

طرازٌ معماريٌّ خاصٌّ تميزت به مراكز المدن في محافظة دير الزور، يوجد بشكلٍ جليٍّ في دير الزور المدينة، وبقيت بعض الآثار التي تدلّ عليه في كلٍّ من الميادين والبوكمال، وهو ما يطلق عليه الأهالي "البيت العربيّ".

إلى أيّ مدىً أسهمت الحرب الدائرة على الأراضي السورية في اختفاء البيت العربيّ وتسريع اندثار هذا النمط من العمران؟ "عين المدينة" حاولت تتبع هذه الظاهرة، فالتقت بدايةً بالمهندس المعماريّ عبد الرحمن عبد الله، من أبناء دير الزور، الذي وصف البيت الديريّ وميزاته بالقول: بالرغم من التوسّع العمرانيّ الذي شهدته المحافظة - والذي اتّسم بحالةٍ من العشوائية جعلت المدينة تبدو بدون معالم تميزها - فقد احتفظت دير الزور بالعديد من البيوت التي ظلت شاهداً على طرازٍ معماريٍّ خاصٍّ عرفت به مراكز المدن. ويتميز البيت العربيّ بأن بناءه كان يقوم على أسسٍ مدروسةٍ من الناحيتين البيئية والمناخية، فالمادة الأساسية المستخدمة في بناء تلك البيوت هي الخشب والطين، وهما مادتان عازلتان، ومن البيئة المحلية، كي تتوفر البرودة في الصيف والدفء في الشتاء. وهي بيوتٌ مشمسةٌ بسبب وجود فسحةٍ سماويةٍ داخلها، ومكسوّةٌ من الداخل بالجصّ الأبيض، وذات سقوفٍ مرتفعة. ويتألف البيت الديريّ في الغالب من حجرتين وبينهما مساحةٌ تسمى الكاشف، وأمام الكاشف تجد مساحةً مفتوحةً تسمى الحوش، يحوي قسمٌ منها في العادة أشجار حمضياتٍ أو كرمةٍ أو توتٍ أو نخيل. وتتميز تلك البيوت أيضاً بما يسمّى "النحيت"، فقد تعلم البناءون من أهل الدير نحت الحجر ونقشه، فكثرت في منازلهم الأعمدة والأقواس المنحوتة. ولهذه البيوت بابٌ مصنوعٌ من الخشب بدرفةٍ أو درفتين، وغالباً ما يكون الطرف العلويّ من الباب مقوساً. وقد يوجد في بعض منازل الميسورين ما يسمّى بالعلية، وتكون فوق إحدى غرف المنزل، ويتم الوصول إليها عبر درجٍ داخليّ.

وحول تسارع اندثار هذا النمط من البيوت التقينا بالسيد ناصر خليف، أحد أصحاب المكاتب العقارية في البوكمال، الذي قال: طبعاً قوبل البناء الإسمنتيّ بحالةٍ من التذمر من قبل كبار السن، ولكنه فرض نفسه كأمرٍ واقع، كما يفرض البناء الطابقيّ اليوم نفسه كأمرٍ واقع. وقد أسهمت الظروف الحالية بتسارعٍ ملفتٍ في اختفاء البيت العربيّ، لأسبابٍ عديدة. فلا يكاد يمرّ أسبوعٌ على تسوية أحد هذه المنازل بالأرض حتى تجد منزلاً آخر يتبعه، لتنهض بدلاً منه بنايةٌ من عدّة طوابق. وإن كان المنزل في أحد الشوارع الرئيسية تم حجز الطابق الأرضيّ للمحلات التجارية. اختفى العديد من هذه المنازل في دير الزور المدينة بسبب القصف الذي لحق بها من قبل قوّات النظام، وخاصةً في منطقتي الحميدية والشيخ ياسين، حيث كانت تتوزّع العديد من البيوت ذات الطابع العمرانيّ الخاصّ. أما في الميادين والبوكمال وغيرهما من مراكز المدن في المحافظة فالقصف يبقى عاملاً ثانوياً، والسبب الرئيسيّ وراء تسارع اختفائها يتمثل بشكلٍ أساسيٍّ بالتغيرات الاقتصادية التي لحقت بالمدينتين، والكثافة السكانية الكبيرة جداً التي سكنتهما بسبب نزوح غالبية أهالي مدينة دير الزور إليهما، مما يشجّع أصحاب هذه المنازل على هدمها وإقامة مساكن من عدّة طوابق. يدفع إلى ذلك الارتفاع الهائل في أسعار العقارات، وأزمة السكن، وارتفاع إيجار المنازل، أي أن الربح السريع الذي يمكن أن يجنى من جعل تلك المنازل ركاماً وإعادة بنائها كان سبباً أساسياً وراء هذه الظاهرة. ومن الجدير بالذكر أن قسماً كبيراً من تلك المنازل كان مغلقاً بسبب مشاكل وراثةٍ تمّت تسويتها على عجلٍ من قبل القائمين عليها خلال هذه الفترة، مستغلين غياب أيّ شكلٍ من أشكال التشريع العقاري أو الرقابة، مما ينذر باختفاء تلك البيوت بشكلٍ نهائيٍّ، ربما، خلال فترةٍ قصيرة. ولن يبقى من تلك المنازل سوى الصور الموزّعة هنا.