أعرف مقاتلي داعش... قنابل الغرب على الرقّة تملؤهم بالفرح

يورغين تودنهوفر*
الغارديان/ 27 تشرين الثاني
ترجمة مأمون حلبي

منذ هجمات باريس والسياسيون الغربيون يمشون بعيونٍ مفتوحةٍ إلى فخٍّ نصبه الإرهابيون، تماماً كما فعلوا بعد هجمات الحادي عشر من أيلول. إنهم يردّون بالقنابل، رغم أنها أحد الأسباب الرئيسية التي تجعلنا في مواجهة الإرهاب. فالقنابل أوّل ما تقتل الناس الأبرياء، وبهذا تساعد على خلق متطوّعين جددٍ لقضية الإرهابيين.

كما علمتُ من قضاء الوقت بمقابلة أعضاء في "الدولة الإسلامية" في سوريا وشمال العراق، تبيّن أن "الحرب على الإرهاب" التي قام بها بوش الابن كانت برنامجا كلاسيكياً لتجنيد الإرهابيين. في عام 2001 كان يوجد قرابة 200 إرهابيٍّ في جبال هندوكوش يشكلون تهديداً للمجتمع الدوليّ. الآن، وبعد أن حصدت "الحرب على الإرهاب" أرواح ما يقدّر بمليون عراقيٍّ، نواجه قرابة 100،000 إرهابيّ. بعد بدء الغزو بستة شهورٍ وُلِدت داعش: إنها نتاج ومسؤولية بوش. أيُعقل أن السياسيين لم يتعلموا شيئاً من 14 عاماً من الحروب ضدّ الإرهاب التي كانت لها نتائج عكسية؟ وهل يمكن تصوّر أنهم ما زالوا يعتقدون أن أفضل طريقةٍ للتخلص من جمعٍ من الدبابير هو سحق أعشاشها بمطرقةٍ ضخمة؟

مدينة الرقة السورية، التي يقطنها حالياً فقط 200،000 مواطن، أصبحت أحد الأهداف المفضّلة للرئيس الفرنسيّ أولاند. الطائرات الحربية الأميركية والأردنية والروسية والسورية تمّ تعزيزها بالقاذفات الفرنسية. ومن المحتمل أن تنضمّ الطائرات البريطانية عما قريبٍ إلى هذا الحشد، ملقيةً حمولتها على ما تبقى من المدينة، مع أنه من أصل 20،000 مقاتلٍ من داعش اعتادوا الاختباء فيها لم يتبقّ سوى 2000 على الأكثر. فأغلبية المقاتلين فرّوا منذ وقتٍ طويلٍ إلى الموصل أو إلى دير الزور. تقوم فرنسا حالياً بقصف كلّ شيءٍ يشبه المعسكرات أو الثكنات: المعامل الصغيرة، المباني التي يسكنها جمعٌ من الناس، المستشفيات.

أكثرية سكان العالم العربيّ شاهدوا صوراً لأطفالٍ قتلى في الرقة؛ تفعل داعش ما بوسعها لنشر هذه الصور. ومقابل كلّ طفلٍ مقتولٍ سيوجد إرهابيٌّ جديد. الحرب دوّارةٌ وسترتدّ علينا على شكل إرهاب. بالطبع، على أولاند أن يكون لديه ردّ فعل. لكن لا أحد سيمنعه من الردّ بشيءٍ من الذكاء. بصفته رئيس دولة، عليه أن يعرف أن مقاتلي حرب العصابات في المدن لا تمكن هزيمتهم بالقنابل. وعليه أن يعرف أن مقاتلي داعش يمشون في صفوفٍ منظّمةٍ ومتلاصقةٍ وبقوافل من السيارات فقط في الفيديوهات الدعائية. لكنهم، بعيداً عن الكاميرا، يتجنّبون البقاء بمجموعاتٍ كبيرةٍ في مكانٍ واحد، ويقضون الوقت بين السكان المحليين مفضّلين أن يكون ذلك في شققٍ سكنيةٍ تشكل مأوىً للعائلات. هذا هو الفصل الأوّل في دليل الإرهاب للأغبياء. انظروا إلى الموصل: مدينةٌ يسكنها 1،5 مليون شخص و15،000 من إرهابيّي داعش على الأكثر. إن كنتم تريدون التخلص من داعش في الموصل فعليكم أن تسوّوا كامل المدينة بالأرض.

في تشرين الأول 2014 كنت أوّل صحفيٍّ غربيٍّ يمضي وقتاً مع داعش ويعود بسلام. أثناء إقامتي معهم كانت المقاتلات الأميركية والطائرات دون طيارٍ تستهدفنا بشكلٍ متكرّر. من الصعب المبالغة بالسرعة التي كان يستطيع بها، في كلّ مرّةٍ، مرافقونا من داعش الاختفاء بين السكان. أثناء التحرّك عبر أراضي "الدولة الإسلامية" بثلاث سياراتٍ – عادةً ما تكون إحداها لخداع الطائرات بدون طيار– كانت توجد دائماً مسافة 10 كم بين السيارات، وكثيراً ما كنا نغيّر المواقع. الجملة الثابتة على شفاه مقاتلي داعش: أبداً لا تكن هدفاً. إن استراتيجية القصف التي تستخدمها فرنسا ستصيب سكان سوريا بالدرجة الأولى. وهذا ما سيملأ مقاتلي داعش فرحاً. أولاند سيجعلهم أكثر سعادةً فقط إن أرسل قوّاتٍ برّيةً أيضاً. فعوضاً عن قتلهم المسلمين، مقاتلو داعش في حاجةٍ ماسّةٍ إلى أن يعيشوا المنازلة القيامية المتوهّمة بين الخير والشر، والتي يستطيعون فيها أخيراً أن يقاتلوا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على الأرض.

لا يمكن للغرب أن يهزم داعش بوسائل عسكرية، لكن هناك طرقٌ لهزيمتها. أولاً، على أميركا أن توقف إيصال دول الخليج أسلحةً للإرهابيين في سوريا والعراق. ثانياً، على الغرب أن يساعد تركيا على إغلاق حدودها الطويلة مع "الدولة الإسلامية" لوقف تدفق مقاتلين جدد. ثالثاً، يمكن لداعش أن تكون موجودةً فقط بتحالفها مع السكان السنّة المقموعين في العراق وسوريا. هؤلاء هم المياه التي تحمل مشروع داعش. إن استطاع الغرب أن يُحقّق مصالحةً وطنيةً في العراق وسوريا وأن يدمج السكان السنّة في الحياة السياسية ستنتهي داعش مثل سمكةٍ أصبحت خارج المياه.

* كاتب وناشط ألمانيّ قضى وقتاً في الأراضي التي تسيطر عليها داعش.