"الابتزاز العراقيّ" يستنزف سوق ماشية دير الزور

شهدت أسواق الماشية في دير الزور هبوطاً حادّاً في الأسعار وصل إلى 50%، بحسب تجّارٍ محليين. وعزا بعضهم هذا الانحدار إلى ندرة الأعلاف، بينما أعاد البعض السبب إلى الوضع الأمنيّ وارتفاع سعر المازوت، فيما اتفقوا على أن المستفيد الأكبر هم التجّار العراقيون.

تجّارٌ جدد في السوق..

منذ مطلع تموز 2014 أكمل تنظيم  الدولة الإسلامية سيطرته على معظم المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد، حتى الحدود العراقية. يتحدث أبو أحمد، وهو تاجر ماشيةٍ في سوق الميادين، عن التجّار العراقيين وتواجدهم المكثف في أسواق المنطقة. تلمس في نبرة كلامه عدم رضا عن الضيوف الجدد، لاستخدامهم مهاراتهم لكسر السعر، مستغلين -حسب رأيه- حالة الكساد جرّاء انقطاع الطرق مع الداخل السوريّ والشمال الغربيّ، مع استمرار الاشتباكات بين تنظيم الدولة وفصائل المعارضة في ريف حلب الشماليّ. فالنعجة التي كان أبو أحمد يبيعها بـ 40000 ليرةٍ لا يتجاوز سعرها 25000 اليوم. أما أبو خالد، التاجر العراقيّ من الأنبار، فيبدي ارتياحه للوضع: "بعد فتح الدولة الإسلامية الطريق إلى سوريا سهلت علينا مشقة الرحلة. فبين القائم العراقية والميادين 100 كم، فيما تتجاوز المسافة إلى البصرة ومناطق الجنوب في العراق -حيث تتركز تجارة المواشي- 650 كم. ولا يخلو الطريق من المخاطر مع وجود الميليشيات الطائفية".
أما عند سؤاله عن اتهام السوريين له بالابتزاز فلا يخفي ابتسامته قائلاً: "يا عمّي التجارة شطارة".
توقّف المطاحن وارتفاع سعر المازوت وراء نقص الأعلاف عزا أبو أحمد ترك بعض التجار للمهنة إلى قلة الأعلاف وارتفاع أسعارها إن توافرت، بعد انسحاب جبهة النصرة والجيش الحرّ من المنطقة، اللذين كان لهما الفضل في تشغيل المطاحن المزوّدة للسوق بالأعلاف. يضاف إلى ذلك الارتفاع الأخير في سعر الوقود، ما أدّى إلى إحجام عددٍ من سائقي الشــــاحنات، التي تنقل الأعلاف مـــــن الحـسكة إلى دير الزور، عن العمل.
يقول خضر، وهو سائق شاحنةٍ ممّن توقفوا عن جلب الأعلاف من الحسكة: "سعر برميل المازوت تضاعف بالفترة الأخيرة من 6000 إلى 12000 ليرة"، ما يجعل نقل الحمولة خاسراً. إضافةً إلى الخطورة التي أشار إليها خضر، جرّاء المعارك المتواصلة في محيط الحسكة. فعلى كل حاجزٍ، ولأيّة جهةٍ مقاتلةٍ (دولة أو بشار أو بي كي كي)، هناك احتمال أن تصادر الشاحنة بتهمة التعامل مع الطرف الآخر.

الاقتتال في مناطق سيطرة التنظيم يقلق التجّار

قبل أكــثر من شـهرٍ بــــدأت اشتباكاتٌ بين من يعرفون بالشعيطات، وهم سكان ثلاث بلدات متجاورةٍ يتجاوز عددهم 100 ألفٍ، من جهة، وتنظيم الدولة الإسلامية من جهةٍ أخرى. انتهت المعارك بسيطرة التنظيم. ونتج عن ذلك مئات القتلى والمفقودين من الشعيطات، وسوقٌ جديدةٌ بيعت فيها بعض ممتلكات من سمّاهم التنظيم بالمرتدّين. فالمواشي المسلوبة من القرى التي اقتحمتها "الدولة" بيعت "بأبخس الاثمان" بحسب أبو أحمد، وجعلت الكثير من التجار يخشى على ما لديه من ماشيةٍ خوفاً من تكرار ما حصل.

التجّار يترقبون الأضحى..

عيد الأضحى مناسبة تسويقٍ كبيرةٌ يمكن لها أن تعدّل الأسعار، ولو بشكلٍ طفيفٍ، كما يأمل البعض. وفي مقارنةٍ أخرى لم تنخفض أسعار اللحوم كثيراً في أسواق دير الزور، وما زالت فوق القدرة الشرائية لمعظم السكان. فالكيلو الواحد من لحم الضأن يباع بـ 1700 ليرة. وهو رقمٌ كبيرٌ يعجز الكثيرون عن تأمينه، بحسب أحد الجزّارين في الميادين.
لم نستطع الحـــــصول على إحصائياتٍ بخصوص الثروة الحيوانية في سوريا إلا من مصادر تابعةٍ لحكومة الأسد، التي قدّرت قيمتها بـ 3.17 مليار دولار في العام 2012، أي ما يعادل ربع ميزانية هذه الحكومة لنفس العام. وبحسب المهندس الزراعيّ عامر: "تعاني الثروة الحيوانية في سوريا اليوم من مشاكل كبرى تهدّد وجودها باستنزافٍ كبيرٍ ولأسبابٍ عدّة، مما قد يحوّل سوريا في السنوات القادمة إلى مستوردٍ لهذه الثروة".