%13 من السوريين مصابون بمرض السكريّ..
والأنسولين يختفي من الصيدليات

يعاني المرضى في سورية من صعوباتٍ كبيرةٍ في الحصول على الأدوية، ومرضى السكري هم الأسوأ حظاً في تأمين الأنسولين الذي يحتاجون إلى تناوله بشكلٍ يوميٍّ ومستمرّ، وخاصّةً مرضى سكري الشباب الذي يعدّ من أخطر أنواع هذا المرض.

قال وزير الصحّة في حكومة النظام السابقة، نزار يازجي، لصحيفة تشرين، في لقاء نشر في 17/4/2016، إن المصابين بمرض السكريّ يشكلون 13 في المئة من السكان، وإن الواحد منهم يكلف الوزارة ما يقارب 400 ألف ليرةٍ سوريةٍ سنوياً. ومن هذا التصريح ندرك النسبة المرتفعة للمرضى، والتكلفة العالية التي تقع على كاهل المصاب بهذا المرض في المناطق المحرّرة بعد أن خرجت عن سيطرة النظام.

تعاني مدينة إدلب وريفها من نقصٍ حادٍّ في الأنسولين وأدوية تنظيم السكر في الدم، لأسبابٍ عدّةٍ أهمها قصف الطيران الروسيّ-السوريّ للمراكز الطبية وللمستشفيات؛ ما أدّى إلى تقليص عددها وخروج أكثرها عن الخدمة، فضلاً عن قلة المنظمات الطبية الداعمة للمراكز الطبية التي تعنى بمرضى السكريّ، في حين قامت الدول المجاورة بإغلاق معابرها الحدودية مع سوريا؛ ما أدّى إلى خلق مشكلةٍ كبيرةٍ دفعت المرضى إلى التنقل بين المدن والبحث عن الدواء على رفوف الصيدليات الخاوية منه.

هيثم الخالد أحد سكان ريف إدلب الجنوبيّ، ابن الثلاثين ربيعاً، مريضٌ بالسكر الشبابيّ، ويعتمد على الأنسولين منذ أكثر من عشرة أعوام، ويحتاج بشكلٍ يوميٍّ إلى جرعتين منه، فهمّه الأول تأمين تلك المادة الدوائية لضبط سكره قدر الإمكان. يقول: «أقضي نصف نهاري أبحث عن الأنسولين الذي أحتاج إليه بشكلٍ دائم. وقد تضاعف سعره 20 مرّةً عما كان، وأشتري العبوة بـ8 آلاف ليرةٍ أحياناً، وهي تكفي لمدة 10 أيامٍ فقط. والمنظمات الطبية لا توفر هذه المادة للجميع».

وتشكو السيدة فاطمة من فقدان تلك المادة، قائلة: «أصبحت في الآونة الأخيرة أعاني من نقص مادة الأنسولين. لقد كنت أتناول الحبوب وهي متوافرة نوعاً ما؛ ولكن منذ أن بدأت بتناول جرعة الأنسولين ازدادت صعوبات تأمينها... مجرّد التفكير بطريقةٍ ما لتأمين الأنسولين في ظلّ افتقار الصيدليات إليه يرفع معدل السكري لدي». ولكنها تقول إنها لم تعد تعتمد على الأنسولين بشكلٍ مستمرّ، بل أصبحت تتناوله بشكلٍ متقطعٍ أو عند الضرورة الملحة، بحسب الكمية التي تحصل عليها عن طريق بعض الأقارب في الخارج.

وقال الصيدلاني محمد، من أهالي قلعة المضيق في ريف حماة الشماليّ: «نعتمد على أدويةٍ تصنّع في مناطق النظام، وكثيرٌ من الأصناف بدأت تختفي من السوق دون وجود البديل والأسباب عديدة، لكن أهمها توقف بعض المعامل عن التصنيع. أما مادة الأنسولين فهي مستوردة، ويحاول النظام حالياً الاعتماد على الأنسولين الإيرانيّ أو الروسيّ السيئ الذي استورده إلى مناطق سيطرته بكمياتٍ قليلةٍ بسبب غلاء هذه المادة، ما دفع إلى تضاعف سعرها عدّة مرّاتٍ وانعكس على وجودها في المناطق المحرّرة».

ولجأ بعض المرضى إلى حلولٍ أخرى كالأعشاب علها تكون بديلاً عن الأنسولين وباقي أنواع أدوية السكري. تقول أم عامر، إحدى سيدات ريف حماة الشماليّ: «أقوم في صبيحة كلّ يومٍ بقطف أوراق الزيتون وغسلها، ثم أضعها في ماءٍ يغلي وأتركها حتى تبرد، لأقوم بتصفية الماء وشربه مرّتين في اليوم. قد لا يكون ورق الزيتون ناجعاً مثل الأنسولين، لكنه يساعد في خفض نسبة السكر لديّ».

ويلقي بعض مرضى السكري اللوم على المنظمات الإنسانية لعدم تأمين الدواء لهم بكمياتٍ تكفيهم وتغنيهم عن عناء البحث عنه. «فمن يستطيع تأمين سلةٍ غذائية.. يستطيع تأمين جرعة الأنسولين»، على حدّ تعبير أم عامر.

ومن المعروف أن عدم استقرار السكر في جسم المريض عند حدٍّ معينٍ قد يؤدي إلى اختلاطاتٍ قلبيةٍ وعينيةٍ وكلويةٍ والقدم السكري وضعف الإنجاب، والكثير من المضاعفات التي تزيد من معاناة المريض. ويبدو أن التركيز على التوعية الصحية هو السبيل الوحيد في ظلّ الحرب للوقاية من مضاعفات مرض السكريّ وغيره من الأمراض التي لها أثرٌ كبيرٌ على المصابين وعائلاتهم وتستنزف قدراتهم وطاقاتهم، وهو الحلّ الأمثل في هكذا ظروف.