تداولت وسائل إعلامٍ عربيةٌ وعالميةٌ مؤخراً موضوع بيع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) النفط للنظام ولتركيا. جاء ذلك عقب اتهام الروس للأتراك بشراء النفط من التنظيم، وتقرير وزارة الخزانة الأمريكية، الصادر في 25 تشرين الثاني المنصرم، والذي أدرج رجل الأعمال السوريّ جورج حسواني على قائمة العقوبات لدوره كوسيطٍ في صفقات شراء النظام النفط من داعش. لم تقدّم هذه التقارير أيّ معلوماتٍ عن آلية البيع وكميات النفط وسعره، واعتمدت على تقارير الخزانة الأمريكية والاتحاد الأوربيّ باعتبارهما جهتين رسميتين لهما مصادرهما الخاصّة. ولكن هل تبيع داعش النفط للنظام ولتركيا حقاً؟
قبل سيطرة التنظيم على دير الزور، المصدر الرئيسيّ للنفط السوريّ، كان الإنتاج يستهلك في الدير نفسها وفي الرقة وحلب وإدلب والأرياف المحرّرة في الشمال السوريّ، بالإضافة إلى كمياتٍ من المازوت المكرّر محلياً كانت تصدّر بطرق تهريبٍ بدائية. لا توجد أيّ تقارير عن كمية الإنتاج في فترة ما قبل سيطرة داعش باستثناء دراسةٍ قصيرةٍ أعدّها صالح الحموي، القائد السابق في جبهة النصرة، خلصت إلى أن الإنتاج كان يقارب 50 ألف برميلٍ يومياً. وكان النفط الخام يباع بالليرة السورية بأسعارٍ مختلفةٍ تتراوح بين 4-7 آلاف ليرة للبرميل، بحسب جودة النفط. أما برميل المازوت فكان يباع بـ8 آلاف ليرة. "كانت تجارة النفط وقتها عشوائيةً وتلبي احتياج السوق وزيادة"، بحسب صاحب كازيةٍ بريف دير الزور الشرقيّ. يضيف: "كانت كميات الإنتاج، قبل سيطرة داعش، أكثر من احتياج السوق. والدليل أن الكمية كانت تتأرجح بسبب توقف آبارٍ عن العمل بسبب خلافاتٍ عشائرية، ولم يدخل حقل العمر في الإنتاج حتى فترةٍ قريبةٍ قبل دخول التنظيم؛ ومع ذلك كانت الأسعار ثابتةً تقريباً والكمية متوافرة".
النفط بعد دخول التنظيم
احتكر التنظيم بيع النفط في الشرق السوريّ لصالحه، وفرض على التجار شراءه بالدولار الأمريكيّ، وحدّد أسعاره بين 25-45 دولاراً للبرميل، بحسب الجودة أيضاً. ووفق البحث الذي نشرته مجلة "عين المدينة"، وتقارير الفايننشال تايمز البريطانية، والوثائق المسرّبة التي نشرتها قناة الجزيرة مؤخراً عن إنتاج النفط لدى داعش؛ يبلغ المعدل الوسطيّ للنفط المنتج يومياً 50 ألف برميل. "تبيع داعش النفط للتجار، فيقومون بنقله وبيعه لمصافي التكرير بحسب مناطق عملهم"، يقول شابٌّ يعمل في إحدى مصافي قرية ذيبان القريبة من حقل العمر. ويضيف: "ازداد الطلب على النفط بعد سيطرة التنظيم، حتى صرت ترى طابور الصهاريج عند حقل العمر بطولٍ يتجاوز 6 كم".
العراق مستهلكٌ جديد
مع سيطرة التنظيم دخل العراقيون سوق استهلاك النفط السوريّ بكمياتٍ لا توجد عنها معلوماتٌ واضحة، لكن أسعار المحروقات ارتفعت بنسبةٍ كبيرةٍ تتجاوز المئة في المئة إثر ذلك، فأصبح سعر برميل المازوت 17 ألف ليرة. في شتاء 2015 يقول سائق أحد صهاريج النفط: "تخرج مئات الصهاريج يومياً من حقول دير الزور إلى مدينة القائم العراقية حيث توجد أربعة أسواقٍ كبرى لبيع النفط الخام والمحروقات المكرّرة". ويضيف: "يشتري العراقيون المازوت والبنزين المكرّرين أكثر من النفط الخام. لا أستطيع تحديد الكمية لكنها كبيرةٌ جداً، إذ إن سوق النفط في القائم أكبر من أسواق الشمال السوريّ".
تهريب المازوت إلى تركيا
من المعروف أن أسعار المحروقات في تركيا أعلى منها في سوريا، فبينما يبلغ سعر ليتر المازوت في سوريا نصف دولارٍ تقريباً يزيد سعره في تركيا على دولار، ولذلك نشط تهريبه عبر الحدود بين البلدين. يقول صاحب محلٍ لبيع المحروقات في مدينة سرمدا بريف إدلب: "انخفض تهريب المازوت إلى تركيا بنسبةٍ كبيرةٍ بعد سيطرة التنظيم على الآبار، بسبب ارتفاع أسعار المازوت في سوريا وضغط الأتراك على الحدود". وعند سؤاله عن آلية التهريب وكمياته أجاب: "كانت تجارة المازوت تتمّ بين المهرّبين على طرفي الحدود عن طريق الأنابيب، أو بنقله بالبيدونات. ويباع الليتر لتركيا بـ150-200 ليرة". ويضيف: "تجارة المازوت أهليةٌ بحتة تتمّ بين المهرّبين، ولا أعتقد أن للحكومة التركية علاقة بها. والكميات المهرّبة ليست كبيرة". صحيفة صباح التركية نشرت، في 10 أيلول الماضي، تصريحاً لأحد المسؤولين في إقليم هاتاي قال فيه إن الأتراك ضبطوا 11 مليون ليترٍ من المازوت المهرّب إلى تركيا عبر الحدود مع سوريا في عام 2014. وإذا كانت سعة البرميل 156 ليتراً تقدّر الكمية المضبوطة بما يزيد على 66 ألف برميل.
صفقات داعش والنظام
عقد النظام، عبر موظفيه في وزارة النفط، اتفاقاتٍ مع داعش في معامل غاز (كونيكو -الجبسة) تقضي بإرسال غاز الطاقة إلى محطة الريان في حمص ليتمّ توزيعه على المحطات الحرارية لإنتاج الكهرباء، وبالمقابل تستفيد داعش من مادتي الغاز المنزليّ والكوندينسات (البنزين الأحمر). ولو أرادت داعش أن تمنع النظام من الاستفادة من الغاز لدفعها ذلك بالضرورة إلى أن توقف المعمل، فكمية الغاز الناتجة كبيرةٌ للغاية ولا يمكن حرقها أو هدرها. وكنتيجةٍ لهكذا إجراءٍ ستحرم داعش نفسها من الاستفادة أيضاً، مما دفعها إلى أن تقبل بالاتفاق. أما في معمل غاز توينان فالاتفاق مختلف، بحسب مهندسٍ هناك يقول: "حصلت مفاوضاتٌ عديدةٌ، قبل تشغيل المعمل في أيلول 2014، بين النظام وداعش، كان الوسيط فيها مدير المعمل. في تلك الأثناء كان النظام يطلب إرسال الغاز إلى محطة ارك في تدمر وداعش ترفض. وبعدها اتفق الطرفان على أن يتمّ إرسال الغاز من المعمل إلى محطة حلب الحرارية الواقعة تحت سيطرة داعش، وأن يقسم إنتاج المحطة من الكهرباء إلى 70 ميغا واط لداعش و50 ميغا للنظام. تعطلت محطة حلب بعد مدّةٍ من تشغيل المعمل، طلب بعدها النظام مجدداً إرسال الغاز إلى محطة ارك لكن داعش رفضت. واستمرّت في تشغيل المعمل من أجل 300 برميل كوندينسات يومياً، فالمعمل لا ينتج الغاز المنزليّ. أما غاز الطاقة فيتمّ حرقه مع الشعلة لان كميته بسيطة".
لا نفط يُنقل عبر الأنابيب
بحسب أحد مهندسي وزارة النفط التابعة للنظام فإن النفط كان يُنقل من الحقول والمحطات عبر الأنابيب، ويُجمع في الشركة السورية لنقل وتخزين النفط بالقرب من مصفاة حمص، ثم يخزن وينقل، عبر الأنابيب أيضاً، للتصدير أو إلى مصفاتي حمص وبانياس. لكن هذه الشركة توقفت عن العمل لعدم ورود النفط من الحقول والمحطات التي خرجت عن سيطرة النظام. وينفي مهندسٌ في حقل شاعر وجود اتفاقٍ في مجال النفط بين النظام وداعش، قائلاً: "يحتاج نقل النفط عبر الأنابيب إلى وحدات ضخٍّ تبدأ بالآبار مروراً بمحطات التجميع. وهي تحتاج إلى فرقٍ من الخبراء والمختصّين غير متوافرة حالياً". ويضيف: "إذا كان هناك اتفاقٌ بين داعش والنظام فلماذا لا يتمّ إصلاح الأعطال في حقل الهيل للغاز في ريف تدمر، الخارج عن الخدمة منذ عامٍ ونصف؟ ولماذا توقف حقل شاعر عن العمل منذ خمسة أشهر؟". اريكا سولومون، الصحفية في فايننشيال تايمز البريطانية، تقول: "لأكثر من شهرٍ ونصف عمل فريق الفايننشال على تقريرٍ عن النفط والغاز لدى تنظيم داعش. لم نصل إلى أيّ معلومةٍ تدلّ على وجود اتفاقٍ بين النظام وداعش في مجال النفط، على عكس ما ورد في تقارير الاتحاد الأوربيّ والخزانة الامريكية. برأيي أنهم لا يفرّقون بين الغاز والنفط". وتضيف: "لا أعلم... ربما هناك نفطٌ تبيعه داعش للنظام، لكن هل يشتري النظام النفط من داعش بـ45 دولاراً للبرميل وسعر النفط في السوق العالمية أقل بعشرة دولارات!".