تدهور الثروة الحيوانية في دير الزور

من الإنترنت

في العقد الماضي، تدهورت الثروة الحيوانية في محافظة دير الزور، نتيجة الجفاف والحرب التي أسفرت عن انقسام المحافظة إلى منطقتين يفصل بينهما نهر الفرات، منطقة سيطرة النظام غرب النهر التي تعرف بالشاميّة وفيها كان يتركز الجزء الأكبر من الثروة الحيوانية، ومنطقة سيطرة قسد شرق النهر التي تعرف بالجزيرة.

وبالتزامن مع تقدم قوات النظام والميليشيات في منطقة الشامية في العام 2017، نزح مئات الآلاف من سكانها إلى الجزيرة وبينهم نزح أغلب مربي الماشية طلباً للنجاة بأنفسهم وبممتلكاتهم من الوقوع في قبضة القوات والميليشيات المتقدمة. وخلال أشهر قليلة ازداد باطراد عدد القطعان المنتقلة إلى الجزيرة التي كانت تشهد هي الأخرى عملية عسكرية أطلقتها قسد ضد تنظيم داعش. حينذاك ولمدة عام تقريباً، تنقل مربو الماشية من مكان إلى آخر بحثاً عن موقع آمن وملائم لنزول قطعانهم، ما كبدهم نفقات باهظة أجبرت بعضهم على بيع جزءٍ منها بأثمان بخسة، كما يقول عبد الله الذي عبر الفرات مع قطيع عدده 400 رأس من الأغنام، باع أول 100 منها لكي يتمكن من دفع نفقات التنقل وشراء العلف لإطعام أغنامه "تقريباً كل أسبوع كنا نرحل وما نعرف لوين نروح، من الخابور للعزبة لرويشد للذرو". وعندما توقفت المعارك وتحسنت الظروف الأمنية بدءاً من 2019، جاءت سنتا قحط متعاقبتان أجهزت على معظم القطيع.

يقول مربو الأغنام أن التحسن الجزئي في الهطولات المطرية في العامين 2023 و2022، لم يعوض خسائر الحرب وانحباس الأمطار السابقة، لأن المراعي المتاحة في منطقة الجزيرة التي تمتد إلى محافظتي الرقة والحسكة، ضيقة نسبياً وخصوصاً بالنسبة للنازحين، فأهالي بعض القرى والبلدات القريبة من المناطق الرعوية، وضعوا أيديهم عليها واعتبروها ملكيات خاصة، ومنعوا غيرهم من الرعي فيها. ومن جهة أخرى تفتقر أراضي الجزيرة إلى بعض النباتات والأعشاب الضرورية في النظام الغذائي للأغنام، مثل الشيح والنيتول والرمث، التي تكثر في مراعي بادية الشام بعكس مراعي الجزيرة. وما من بديل عن هذه النباتات إلا الخلطات العلفيّة المركبة والمركزة التي تساعد على إدرار الحليب وتقوية مناعة الأمهات والحملان.

ومع ندرة هذا النوع من الأعلاف، وارتفاع أسعار الأنواع الأخرى المتوافرة في السوق أو التي تقدمها هيئة الزراعة التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور، أصبحت الأغنام أقل قدرة على مقاومة الأمراض والجوائح التي تتطلب تدخلاً بيطرياً لمواجهتها إما بالوقاية واللقاحات المسبقة، أو بالعلاج باستخدام الأدوية اللازمة.

يتهم مربو الأغنام في دير الزور هيئة الزراعة وشركة التطوير الزراعي التابعتين للإدارة الذاتية، إضافة إلى ما ينبثق عنها، مثل اتحاد الفلاحين والوحدات الإرشادية والجمعيات الغنامية، بالفوضى والجهل والفساد. فهذه المنظومة التي يفترض بها أن تقدم الدعم والرعاية للثروة الحيوانية، لم تبادر حتى الآن إلى إجراء إحصاء يحدد من هم مربو الماشية الحقيقيون وكم عدد الرؤوس لدى كل منهم. لكي تصحح أولاً المعطيات والأرقام الوهمية لديها. فمنذ العام 2019 تأسست كثير من الجمعيات الغنامية التي قدمت بيانات زائفة عن أسماء المربين وعدد الأغنام المسجلة لديها.

تركت هيئة الزراعة وما يتفرع عنها، مربي الماشية يواجهون تقلبات الطبيعة والسوق، وكل ما تفعله هو الإعلان في أوقات متباعدة عن عرض مادة النخالة للبيع بسعر مخفض، لكن فرق السعر الذي تعرضه عن السوق قليل، ففي الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول أعلنت عن عرض النخالة للبيع بسعر 2500 ليرة، وهو أقل من سعر السوق ب 500 ليرة فقط، وخصصت في هذا الإعلان كمية 4 كغ للرأس الواحد من الأغنام. يقول محمود وهو مربي ماشية أنه تسلم علفاً مدعوماً مرتين فقط خلال أربعة أعوام، كان في إحداها متعفناً ولذلك لم يعد يكترث بـ "هيئات قسد وجمعياتها الغنامية الفاسدة" التي تبيع الأعلاف للتجار قبل أن يعيدوا بيعها لمربي الماشية. ويرى محمود الذي تناقص عدد الرؤوس في قطيعه خلال ثلاثة أعوام من 300 إلى 50، أن "اتحاد الفلاحين وجمعيات النظام مع أنهم حرامية مثل هذول، كانوا أحسن" لأنهم يقدمون أعلافاً متنوعة وبسعر رخيص وبكميات كافية في دورات منتظمة كما يقول.