- في مقبرة الشهداء، وأثناء تشييع متظاهرٍ قضى أثناء محاولة خلع تمثال حافظ الأسد، كان أحد المشيّعين حزيناً على إزهاق الأرواح هكذا بعشوائيةٍ، وغاضباً من غياب العقل في "مظاهراتنا" وقلة التخطيط. كانت هيئة الرجل، بالسنّ النحاسي البارز دوماً و"الجراوية" (شماغ يثبت بمهارةٍ على الرأس ليشبه عمامةً رشيقة) مع تلويحه بالشنتيانة (سيفٌ شديد المرونة يمكن طيّه ولفّه على الخصر) أو برد أظافره بها، تخالف دور المتعقل الذي اتخذه وهو يعدّد الأخطاء التي وقع فيها متظاهرو الأمس، والمتظاهرون قبلهم، بل في كلّ المظاهرات: "ما يصير نهجم هيجذ. اللي قام نعملو غلط. نهجم عالتمثال، يقوّس علينا الأمن ويقتل منّا، ونطلع جنازة. وثاني يوم نهجم، ويقتل منّا الأمن، ونردّ نطلع جنازة. وكلّ يوم على هالحالة. ليش ما نتعلم من المرحوم صدام حسين؟ نفخّخ كم جحش ونفجّرها بهالصنم ونخلص".
- لم تفارق روح الفكاهة الديريين في أسوأ الأوقات، فمعظمهم قادرٌ على الاستنكار بنكتةٍ "تضحك ابن الميت ببيت العزا". ورغم إحساسهم الطبيعيّ بالخوف في اللحظات الخطرة أثناء المواجهات على خطوط التماسّ، كانت حركاتٌ مثل ضرب الطبول في مكبّرات صوتٍ ضخمةٍ تحيل الموقف كله إلى "مسخرة". وكذلك حين يُدعى عناصر النظام إلى الاستسلام (رغم تفوّقهم الناريّ) والانشقاق بلغةٍ أخويةٍ من نوع: "انشقّ يول يا خوي وتعال تليقي كلّ شي عندنا. انشقّ ناخذك عالخياط ويقطبك ونبعثك على أهلك". وعندما يأتي ردّ عناصر النظام على دعوة الاستسلام الهازئة تلك أحمق وهيستيرياً، بمزيدٍ من إطلاق النار والقذائف، تعاتبهم مكبّرات الصوت في أوّل لحظة هدوءٍ بـ"عليش انزعجت؟ عمرينك لا تنشقّ ولا تتقطّب!".
- زوراً اتُّهم صانع حلوياتٍ شهيرٌ في دير الزور، أيام المظاهرات السلمية، أنه تبرّع بضيافة زوّار الخيمة التي نصبها مؤيدو النظام برعاية فرع الحزب وأجهزة المخابرات. ونتيجة هذه التهمة تعرّض المحلّ للتحرّش من بعض المتظاهرين قبل أن يعلن الرجل في اليوم التالي براءته من ذلك، ويخصّص طاولات حلوٍ على الرصيف مجاناً للمتظاهرين اليوميين.
- حتى إعلام الثورة الديريّ لا يخلو من السخرية، كما في مقطعٍ مصوّرٍ لمقاتلٍ من حيّ المطار القديم يوجه رسالة تحدٍّ لبشار الأسد بـ"لا ترحل يا بشار لا ترحل. إحنا اللي راح نرحل". وفي مقطعٍ ثانٍ لرجلٍ مسنٍّ ومتحمسٍ "يفلط" وهو يستلهم حوادث التراث لتأكيد الثوابت والمقارنة: "إحنا أحفاد محمد، وانتم أحفاد أبو مجوسة اللؤلؤي". ولما كانت لازمة القصف المتنوّع والوحشيّ باباً متكرّراً في شكاوى المتحدثين إلى "الإعلام" يسترسل متحدثٌ عن طرائق القصف وأنواعه بـ"بشار يقصفنا وما يوقف، نوبة يرمي علينا براميل وقنابل، ونوبة يرمي دبابات وطيارات". بينما يبيّن بعض المتحدثين أن لديهم إحساساً عاماً بالخراب الذي لحق بالبلاد من ناحية مراحل التنمية المزعومة الواجب قطعها من جديدٍ بعد أن "أعادنا" بشار إلى الوراء، وبلغة الأرقام: "بشار ما رجّعنا عشرين سنة لورا، بشار رجّعنا خمسة وعشرين سنة".
- سألت صحفيةٌ أجنبيةٌ مقاتلاً يتعاطى الحشيش: الحشيش يسبّب الخوف، ألا تخاف في المعارك؟
المقاتل: صحيح نخاف، لكن نتكاسل من الهزيمة.
- سألت صحفيةٌ أجنبيةٌ مقاتلاً يتعاطى الحشيش: الحشيش يسبّب الخوف، ألا تخاف في المعارك؟
- في مرحلة "داعش" تناول المزاج الديريّ جنون التنظيم وقوانينه الحمقاء بنمطٍ آخر من المفارقات التي تكيّفت مع الجوّ الجديد بهيئاته ولغته، بعضها حقيقيٌّ والآخر محض اختلاق. فمن المزعوم الطريف قصة الداعشيّ الباحث في محلّ ألبسةٍ عن باكستانية من ماركة أديداس، بينما من الحقيقيّ ما حدث على بسطة ألبسةٍ لفتىً صغيرٍ، حين جادل "داعشيٌّ" في السعر إلى حدٍّ أغضب الفتى الذي قال: "ترى والله زهّدتني يا شيخ!". فتلاطف "الداعشيّ" قائلاً: "ما سمعت حديث الرسول: بازروا حتى يجفّ العرق؟"، فيردّ الفتى: "بس الرسول ما يعرف شقد راس المال يا شيخ". لينتهي النقاش باعتقال الفتى.
- "داعشي" على حاجز تفتيشٍ يأمر السائقين بالانصراف بـ"انقلع بأمان الله".
- عبّرت عجوزٌ عن نظرة الناس إلى المستقبل حين نصحها عنصرٌ من داعش أن تحكم غطاء وجهها وتذرّعت بأنها لا تستطيع ذلك "لأنها تختنق"، فتساءل العنصر عما سيكون عليه حالها مع الغطاء في حرارة الصيف فردّت العجوز: "عجل تريد تظلون يا عيني للصيف؟!".