- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
مُنجِّمو دمشق.. وسام حنانا المتنقل بين المطاعم وأم سمير وأبو جعفر سرايا الدفاع
منذ عام تقريباً، واستثماراً لظاهرة الإقبال المتزايد على التنجيم، بدأت بعض المطاعم في دمشق بالتعاقد مع منجمين لتقديم فقرة ضمن برنامجها الأسبوعي تأتي عادة نهاية السهرة أو في صبحيات النساء، وتتضمن كلمة عامة يلقيها المنجم تتخلَّلها أسئلة، ثم استشارات خاصة لمن يريد.
من مطعم ”بوابة الشمس“ قرب ساحة الميسات إلى ”ديونيز“ في المزة، يكرر المنجم وسام حنانا وصاياه العامة ذاتها "تحننوا على بعض وتحملوا.. والأيام الجاية راح تكون أحسن“، قبل أن يستقبل على انفراد شكاوى وهموماً شخصية من بعض الزبائن. وفي مطعم ”نيوترون“ بباب شرقي، الذي يرتاده فنانون ومذيعون، نصحت المُنجِّمة نجلاء قباني، الممثل ليث المفتي بالبقاء في البلد، وتنبأت للفنانة صفاء سلطان بمزيد من الشهرة والنجاح في العام 2021، بعدما قدمت وبرعاية أمير الحرب أبو علي خضر، سهرة الفضائية السورية في شهر رمضان الماضي.
تقول (نور) وهي سيدة أربعينية تملك صالون حلاقة نسائية، إنها تعرف أشهر المنجمين والمنجمات في دمشق، لكنها تفضل أم سمير لأنها "فهمانة" وتبعث الأمل في النفوس.. "ضباط وتجار ودكاترة ومحامين.. كلن بيروحوا لعند أم سمير". أحياناً يظهر أمام بيتها حراس أشخاص مهمين، جاؤوا يطلبون حل مشكلة، أو إزاحة عائق، أو مجرد المشورة والتنبؤ في شؤون مهنية أو عائلية أو عاطفية "الناس همومها كترانة.. ما حدا مرتاح بهالأزمة“.. تشرح (نور) المرأة المتحررة التي تعرف الشكاوى والمطالب السائدة، لدى كل شريحة. حيث يطلب الضباط عادة الانتقال من محل وظيفي إلى آخر "ما فيه خطر أو عشان يستفادو أكتر" ويسألون عن مصيرهم، ترقية أو تسريح أو تمديد، في النشرات العسكرية نصف السنوية. لكن هناك نوع آخر من الهموم في حياة بعض الضباط.. "كان في عميد دكتور بمشفى تشرين طلب من أم سمير تعمل عمل لصاحبته ممرضة تركته وراحت مع واحد بالرابعة“.
تبدأ الأسعار لدى أم سمير بـ(100) ألف ليرة، لكنها تتسامح في بعض المرات إلى أقل من ذلك وتعمل أحياناً بالمجان "صدقة" حسبما تقول (نور) المعجبة بأم سمير لأنها "بتراعي المعترين، خاصة لما يكون عندن حدا مفقود مخطوف أو موقوف بهالأزمة" التي كان بالإمكان تجنبها لو ”وزعوا مصاري لكل واحد مليون ليرة" وفق ما تنقل عن أم سمير.
مفقودو "الأزمة" ومن الجانبين معارضة أو نظام، موضوع أساسي في يوميات المنجمين الذين ازداد عددهم خلال السنوات السابقة، وتعددت مستوياتهم حسب نوع وطبقة الزبائن، من الأثرياء والنافذين كما في حالة أم سمير ووسام حنانا، نزولاً إلى أبو جعفر المتقاعد القديم من سرايا الدفاع ، الذي كاد من اليأس والملل أن يعود إلى ضيعته عين شقاق في ريف جبلة، لولا الحرب التي غيرت حياته كلياً. إذ توقف عن شرب العرق أمام باب بيته قرب الخزان في حي عش الورور الفقير، وخلع البيجاما التي كانت تلتصق به طيلة اليوم، وارتدى "جلابية" بيضاء ومنديلاً أبيض على الرأس وتحول إلى شيخ ومنجم، لكنه ظل محل شك من الجيران بأنه متطفل على التنجيم حتى بدأ الزبائن يسألون عن منزل الشيخ، وارتبطت المحطة الأهم في مسيرته المهنية، بغزوات تنظيم داعش، على مطار الطبقة والفرقة 17 في محافظة الرقة، وعلى مدينة تدمر. حينذاك ابتسم الحظ لأبو جعفر بسلسلة من النبوءات الموفقة عن مصير جنود مفقودين "ابنكن تايه بالصحرا، ابنكن بين أربع حيطان، ابنكن شهيد".
وبعكس أم سمير التي تحرص على بث الأمل في النفوس، لا يزف أبو جعفر إلا القليل من التنبؤات السارة، لأنه واقعي من جانب، وسادي يستمتع بوقع نبوءاته المؤلمة على وجوه الزبائن أو المراجعين من جانب آخر. نظرياً يرحب أبو جعفر بالجميع على قدم المساواة وبغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية، لكنه يراعي قليلاً "الفقرا" من أبناء الطائفة العلوية، فلم يتقاضى إلا 10 آلاف ليرة، نصف الأجر المطلوب من أم جاءت بابنتها من طرطوس، لتسأل عن مصير خطيب البنت، الضابط الصغير المفقود في إدلب منذ 2015، وترك لها النصف الثاني ضيافة وإكراماً للشابة التي نصحها بأن تخلع خاتم الخطوبة وتدعو لـ“الشهيد“.
ومثل أبو جعفر، التقطت نوال وهي نازحة من ريف دمشق الاتجاه المربح من الأعمال خلال الحرب، فغيرت مهنتها من تنظيف الأدراج والبيوت أحياناً في حي جرمانا إلى التنجيم، لكنها تتهرب من الحالات المأساوية وتحاول التركيز فقط على قصص الحب والزواج والحمل وجنس الجنين، وعندما تضعها الصدف أمام زبون أو زبونة من نوع خاص، مثل زوجة قيادي بميليشيا الدفاع الوطني سألت عن طالعها وطالع زوجها، تنبأت لها بـ"خير كتير متل نبع المي" ما سيذهل الزوجة لاحقاً، حين استولى زوجها رسمياً وبسند تمليك على فيلا لملاك غائب في منطقة وادي العيون.