- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
موسم آخر لا يحصد فيه الفلاحون أرضهم بين منطقتي «قسد» ودرع الفرات
تُشكّل أكثر من 50 ناحية وقرية ومزرعة مُمتدّة من ناحية «العريمة» جنوباً إلى مدينة «جرابلس» شمالاً، بطول 60 كم تقريباً، خطّ تماسٍ مُتداخل بين قوات قسد شرقاً وفصائل درع الفرات غرباً. تلك الطبيعة التي فرضها الانقسام العسكري ألقت بآثارها السلبية على حوالي 600هكتاراً، تُعتبر من أخصب الأراضي الزراعية في المنطقة التي يُشكّل فيها العمل بالزراعة وتربية المواشي الدخل المعيشيّ الرئيسيّ لقاطنيها.
قسّمت المعارك التي خاضتها قوات قسد ودرع الفرات مع داعش كثيراً من هذه القرى إلى قسمين، بالرغم من الطبيعة الجغرافية العصيّة على التقسيم، إذ تُمثّل هذه الأراضي الزراعية امتداداً واحداً لتلة أو وادٍ أو سهل، تاركة مئات الهكتارات المزروعة بالأشجار المثمرة كالزيتون والكرمة واللوز والفستق الحلبي بالإضافة إلى الشعير والعدس عُرضة لليباس والموت. ليجد المزارعون أنفسهم أمام مأزق حقيقي في بداية كل موسم بذار للحبوب أو حصاده أو قطف ثمار أشجارهم، ناهيك عن ما يرافقها من حراثة وعناية، فهم ممنوعون من الاقتراب منها في كلتا الضفتين أو محكومون بإذن شفهي لا تدعمه أيّ اتفاقية أو صك حماية.
هزاع الشيخ، أحد مزارعي قرية «اليالنّي» التي تسيطر عليها قسد، قال لـ عين المدينة إنه اضطر إلى تأجير 10 هكتارات من أرضه بثمن لا يتجاوز 25 ألف ليرة سورية للهكتار الواحد سنوياً إلى قريبه تيسير العمر في قرية «الشيخ ناصر» الملاصقة والمسيطر عليها من درع الفرات، وذلك بعد أن منعته قسد من الدخول إلى أرضه منذ سيطرتها على القرية في آب 2016، بحجّة أنها تُشكّل خط تماس مع داعش آنذاك وأنها مزروعة بالألغام، أما اليوم فهي تُشكّل منطقة يُخشى منها تسلّل فصائل درع الفرات، بحسب قولهم.
لم يستطع تيسير أن يجني سوى محصول هكتارين من الأرض هذا العام، وذلك بعد أن هاجمت قسد الحصادة وصادرتها واعتقلت صاحبها لمدة ثلاثة أيام، وأخبرته بالعودة لأخذها بعد ثلاثة أشهر، وهي فترة الحصاد كاملة، بحسب مالك الحصادة.
لم يكن الحال أفضل في قرية «بصلجة» مع المزارع مجحم الخليل الذي انتظر فترة الإذن (وهي فترة جرت العادة، خلال السنوات الماضية، أن يُطالب بها الأهالي النقطة العسكرية التابعة لدرع الفرات في المنطقة منحهم إياها، للقيام بالأعمال الزراعية في أراضيهم الواقعة ضمن خطوط التماس دون أن يتعرضوا للمساءلة، أو خطر إطلاق النار من أي جهة). وفي تاريخ16 أيار قامت النقطة العسكرية بإذاعة خبر الإذن عن طريق مذياع مسجد القرية، وحددته بفترة 5 أيام.
يقول الخليل إنه حاول منذ اليوم الأول حصْد أرضه إلا أن أغلب الحصادات رفضت، وبعضها طالبت بزيادة في السعر وصلت لحوالي 35 ألف ليرة للهكتار الواحد، وما إن وصلت الحصادات إلى الأراضي حتى بدأت قوات قسد في قرية «الجقل» المقابلة باستهدافها بعيارات نارية تحذيرية بالقرب منها، أدّت لهروبهم ولجوئهم للنقطة العسكرية التي سرعان ما قامت بالردّ بإطلاق قذائف مدفعية، وطمأنتهم وطالبتهم بمعاودة الحصاد، إلّا أن أصحاب الحصادات رفضوا إكمال عملهم.
أما في قرية «قيراطة» التي قسمها الأوتوستراد إلى «حارة قسد وحارة درع الفرات»، كما يطلق عليهما سكان القرية، يتناوب عبد السلام وأبناؤه يومياً على الذهاب إلى أرضهم للعناية بها، بالرغم من مضايقات مجموعات قسد لهم في كل مرة وتهديدهم بمنعهم من الدخول إلى أرضهم، وسرقة محصول أشجارهم من الفستق الحلبي كما في السنوات السابقة، دون أن يُحرّك الرّجل ساكناً.
وتُشير مصادر أهلية في المنطقة إلى أن أكثر من 90%من الأراضي والقرى الواقعة على خطوط التماس من جهة قسد هي إما «بور» أو «مزروعة بالألغام». بينما يتمكن الكثير من المزارعين في الطرف المقابل (درع الفرات) من جني محاصيلهم وقطف ثمار أشجارهم، «الناس تركت أراضيها بور والشجر عبيموت، مو طالع بالإيد شي، حتى لو زرعناها ما نقدر نحصدها» يقول أبو شادي من قرية «البوغاز» التي تسيطر عليها قسد.
أما نقابة المهندسين الزراعيين، التي تأسست في أيلول 2017 في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، اكتفت وخلال كثير من تصريحات مسؤوليها على صفحات التواصل الاجتماعي بأملها بأن يتم التوصّل لصيَغٍ تضمن حقوق المزارعين بهذه الأراضي في المواسم المقبلة، واجتراح حلول لمشاكلهم، ومنها: مشكلة انتشار الألغام ومخلفات الحرب التي تسببت في منع كثير من المزارعين من استثمار أراضيهم منذ سنوات، والتي تسببت بشلل شبه تام في العمل الزراعي وجني المحاصيل.