تناقل الأهالي حكاية الرجل حليق اللحية الذي خرج من مناطق سيطرة النظام إلى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" في دير الزور، وعندما سأله أحد عناصر أوّل حواجز التنظيم عن سبب حلق لحيته بالشفرة ردّ أن الله جميلٌ يحب الجمال، وراح يحاول إقناع عناصر الحاجز ببشاعة مناظرهم بشعورهم الطويلة ولحاهم الطليقة.
اعتقل الرجل طبعاً، لا بسبب حلق اللحية ولكن بسبب قناعاته. فالتنظيم، كما أفادت شهاداتٌ، لا يحاسب الرجال على تخفيف لحاهم عند الخروج من أراضي سيطرة النظام. ويوجّه عناصره أحياناً إلى التخفيف قبل التوجّه إلى هناك، كما ذكر البعض. لكنه، بالمقابل، يشدّد على إطلاق اللحية بحسب المنطقة وقربها من خطوط الاشتباك، إذ يرى أن تخفيف اللحية أحد الذنوب التي يسبّب تراكمها تأخر النصر، مما جعل الرجال هناك في حيرةٍ من أمرهم، إذ لم يبيّن التنظيم إلى أيّ حدٍّ يجب أن يصل طول اللحية وإلى أيّ حدٍّ يمكن تقصيرها، لكن الأهالي صاروا يعرفون أنه يلاحق على اللحية حين يكون في حاجةٍ إلى سجناء للعمل بالسخرة.
على أن الوضع لم يكن دائماً على هذه الحال، فعند سيطرته على دير الزور لم يراقب التنظيم اللحى بل ترك الحرية لعناصره ومناصريه في تخفيفها أو تحديدها أو إطلاقها. لكن الدعاية التي سبقته، والصبغة الدينية التي يحملها، وما يرافقها من نمطٍ معينٍ في الهيئة؛ كل ذلك وغيره جعل الكثير من الرجال يطلقون لحاهم طوعاً في حين راح التنظيم يلاحق عليها شيئاً فشيئاً. فلجأ الحليقون إلى حجةٍ قديمةٍ هي الحساسية، كانت تستخدم قبل عقدين من الزمن تقريباً للسماح للشخص بإرخاء لحيته في أماكن -تابعةٍ للدولة السورية- يفرض فيها حلقها. لكن، وبعد أن كثر استعمال جملة "عندي حسَاسَة" على حواجز التنظيم، فرض الأخير على الحليقين حمل ما سمّاه كفالةً طبيةً يستخرجها الشخص من أحد أطباء الجلدية تثبت أن حاملها يعاني من التهاب جريباتٍ شعرية، ثم تحمل ختم أمير المكتب الطبيّ الذي يلجأ أحياناً إلى الطلب من "المريض" إطلاق لحيته والعودة بعد أيامٍ ليتأكد من صدقه.
أصبحت اللحية الطويلة علامة داعش الفارقة. وتشكل تربيتها سباقاً يتبارى فيه الكثير من المنتمين إلى التنظيم وحاضنتهم ومنتظري خدماتهم، بالإضافة إلى الذين يحاولون تجنب عقوباتهم. ويرى شرعيو التنظيم أن كل من نهى عن إطلاق اللحية أو استهزأ بها أو سخر منها فقد ارتدّ عن الدين وخرج عن دائرة المسلمين (بحسب أحد ملصقاتهم). لكن النكتة تناولت مربي اللحية على نطاقٍ واسعٍ، فظهر بين الشباب في مدينة دير الزور تعبير "لحية تركيب بأضوية وغمازات"، في إشارةٍ إلى إظهارها الشخص بعكس ما يبطن. كما أن العديد من الشهادات يفيد أن عناصر من التنظيم حلقوا لحاهم على الحدود ودخلوا الأراضي التركية هاربين من معارك عين العرب/كوباني.
قبل ظهور التنظيم لم تكن اللحية تشكل فارقاً بالنسبة إلى مقاتلي الجيش الحرّ أو غيرهم من القوى الثورية. لكن الوضع تغيّر مع ظهور تنظيماتٍ مثل جبهة النصرة، (أهل اللحى) بحسب المصطلح المحليّ. فصار عناصر الحرّ يحرصون على تخفيف لحاهم أو حلاقتها، كما صار الكثير من الأهالي ينتقون مواضيع حديثهم عند حضور أهل اللحى، ويتجنب بعضهم التدخين والتلفظ بكلماتٍ نابية. لكنهم كانوا يناقشون اللحية بحرّيةٍ، فمن داعٍ إلى تشذيبها، إلى داعٍ إلى مجرّد وجودها فحسب، إلى منادٍ بتركها على هوى الناس وعدّها من الأمور الشخصية.
يذكر أن إطلاق اللحية اقتصر على رجال الدين منذ الصدام الدامي بين الإسلاميين والسلطة في الثمانينات. وراج بعدها في أوساطٍ شعبيةٍ أن مطلقي اللحى يحملون رخصاً أمنيةً تسمح لهم بذلك. لكن الوضع تغيّر منذ خمسة عشر عاماً، حين بدأت ظاهرة إطلاق اللحية تبرز بين الشباب المتأثرين بالتيار السلفيّ، وهو ما أطلق عليها الكثير من الأهالي اسم "الوهابية" حين حاولوا مقاومة الظاهرة. ولعل السؤال الدارج وقتها عن سبب تربية اللحية "دوا ولا غوا؟" يعبّر عن قناعة الكثيرين بارتباط إطلاق اللحية بأسبابٍ بعيدةٍ عن الدين.
وبالمقابل أصبح العديد من الشبان المتحرّرين من سلطة المؤسسات الحكومية يفخرون بعدم مسّ الشفرة لحاهم، واكتفائهم بالماكينة في تخفيفها. كما ظهرت السكسوكة إلى جانب "الحَنْجَرة" (تحديد اللحية) في أوساطٍ شبابيةٍ واسعة. بينما كاد حلق اللحية بالشفرة يقتصر على كبار السنّ الذين ينظر إليهم كبقايا للتيار العروبيّ، بالإضافة إلى العسكريين والموظفين.