- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
ملامح تجارة النفط في الجزيرة السورية بعد منعه عن النظام
خلال الأسبوعين الماضيين، شنت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بدعم من قوات التحالف الدولي حملة مداهمات على معابر تهريب المحروقات عبر نهر الفرات إلى مناطق نظام الأسد، خصوصاً في بلدتي شحيل وذيبان. استمرت الحملة لعدة أيام، صادرت قسد خلالها محركات عدد من العبارات النهرية المستخدمة في التهريب، وبعض صهاريج المازوت المعدة للتهريب.
ورغم هذا، عاود المهربون بعدها بأيام أنشطتهم المعتادة بتهريب المحروقات إلى مناطق نظام الأسد، لتعود قسد وتشن حملة مداهمات ضد المعابر مرة أخرى في بلدة ذيبان وقرية الطيانة في ريف دير الزور الشرقي، حسب ناشطين وسكان محليين من المنطقة.
إلى غاية الآن، وكما جرت العادة في الحملات السابقة، لم يبدر إزاء حملة المداهمات الحالية أي رد فعل من الجهات المحلية المتضررة من مثل هكذا حملات، سواء أعضاء شبكات التهريب أو المجموعات الاجتماعية المرتبطة بها والمستفيدة منها، أو حتى مجلس دير الزور العسكري المستفيد هو الآخر من استثمار النفط وتهريب المحروقات، حيث يسود اعتقاد محلي بأن الحملة الحالية لمداهمة معابر التهريب لا تتجاوز نطاق مثيلاتها من الحملات السابقة، من حيث طبيعتها أو من حيث جديتها في إغلاق معابر التهريب بشكل نهائي؛ ويؤكد عدد من المصادر المحلية بأن المهربين سيعاودون أنشطتهم المعتادة بتهريب المحروقات إلى مناطق نظام الأسد مرة أخرى.
فيما يخص تجارة النفط وتهريب المحروقات في الجزيرة السورية عموماً، تختلف أولويات وأهداف كل من التحالف الدولي/الأمريكيين والإدارة الذاتية/قسد؛ إذ تشكل عائدات تجارة النفط في الجزيرة السورية العصب الاقتصادي الحيوي للإدارة الذاتية لتمويل رواتب موظفيها وعناصرها العسكريين بشكل أساسي، بعد أن كانت قد عقدت اتفاقات غير معلنة مع نظام الأسد لتزويده بالنفط الخام عبر شركة القاطرجي، الأمر الذي يعتبر خرقاً للعقوبات الأمريكية المفروضة على نظام الأسد. كذلك تفيد قسد من تجارة النفط وتهريب المحروقات في خلق توازنات محلية، اجتماعية وعسكرية، بما يخدم سياستها في المناطق ذات الأغلبية العربية، حيث تعتمد على منح امتيازات للشبكات الاجتماعية المحلية من خلال استثمار النفط وتجارة المحروقات والتهريب لضمان استقرار سلطتها وإدارتها.
بينما يركز التحالف الدولي في استراتيجيته على محاربة تنظيم داعش بشكل أساسي، واقتصرت تدخلاته السابقة في ملف النفط على إجراءات رمزية ضد معابر تهريب المحروقات إلى مناطق نظام الأسد دون التدخل في تجارة النفط الخام والمحروقات عبر المعابر البرية ما بين الإدارة الذاتية ومناطق نفوذ النظام.
أما اليوم، فيأتي إيقاف تجارة المحروقات ما بين مناطق الإدارة الذاتية ومناطق نظام الأسد في سياق مغاير تبدلت خلاله استراتيجية الأمريكيين في الجزيرة السورية بعد قرارهم البقاء في المنطقة لحماية آبار النفط فيها، ومنع تنظيم داعش ونظام الأسد الاستفادة من هذه الموارد، وكذلك ضبط النفوذ الدولي الجديد المتمثل في التواجد الروسي والإقليمي التركي في الجزيرة السورية، إضافة إلى استخدام ورقة الموارد النفطية للضغط على نظام الأسد وحلفائه لقبول مطالب الأمريكيين في التسوية السياسية في سوريا مستقبلاً. ولهذا أعادت القوات الأمريكية انتشارها في المنطقة، وأنشأت قواعد عسكرية قرب حقول النفط فيها كخطوة أولى، من ثم بدأت بخطوات إيقاف تجارة النفط وتهريب المحروقات إلى المناطق النظام ومنطقة "درع الفرات".
بالطبع لا يخفى على أحد أن حملات المداهمات ضد المعابر تحدث بناء على أوامر من التحالف الدولي، لكن الجديد في حملة المداهمات الحالية أنها تأتي بالتزامن مع إغلاق معابر التجارة البرية الذاهبة من مناطق الإدارة الذاتية إلى مناطق سيطرة النظام عبر معبري الطبقة والصالحية، والأخرى إلى درع الفرات عبر معبر أم جلود. وقد أبلغت قسد التجار وسائقي الصهاريج بإيقاف تجارة النفط الخام والمحروقات عبر هذه المعابر، وتمركزت القوات الأمريكية داخل وبجانب حقول وآبار النفط في دير الزور والحسكة، وتسير دوريات داخل بعضها، ما يرجح أن نية الأمريكيين تذهب باتجاه حرمان إدارة قسد من الاستحواذ على ملف إنتاج النفط، إلى جانب المراقبة التي تفرضها القوات الأمريكية على عمليات تجارة النفط والمحروقات ما بين مناطق الإدارة الذاتية ومناطق النفوذ الأخرى.
ليس من الواضح حتى الآن، ما إذا كان إغلاق المعابر البرية أمام تجارة النفط والمحروقات سيكون مؤقتاً أم لا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى معابر تهريب المحروقات في دير الزور. ولكن على الرغم من أن بعض المراقبين -التي تؤيدهم التسريبات- يرجحون أن الأمريكيين يسعون لعقد اتفاقيات جديدة تخص تجارة النفط مع مناطق النفوذ التركية في رأس العين وتل أبيض ودرع الفرات دون سواها، فإنه من المؤكد أن الوضع الجديد لإدارة الموارد النفطية في الجزيرة السورية سيؤدي إلى تغييرات في شكل وطبيعة تجارة النفط فيها، وسيكون له تداعياته على الإدارة الذاتية أولاً، وعلى المجتمعات المحلية ثانياً، وعلى الوجود الروسي الذي لن تقف مكتوف اليدين، فالقصف الروسي الذي استهدف موقع مصافي تكرير النفط في منطقة درع الفرات يظهر كرد فعل أولي على ذلك.