- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
لا ينقل الصحفيون في إدلب الحدث فقط بل يتفاعلون حتى مع نتائجه
يتخلى صحفيون في إدلب بطيب خاطر عن "المهنية" و"الحياد" و"السلامة" التي توجب مهنتهم عليهم أن يلتزموا بها، لصالح الاشتباك مع الحدث حين يكون قصفاً لمدنهم وبلداتهم وقراهم، فيعملون على إجلاء المدنيين ومسعفين للمصابين ومساندين للمتضررين بعد انتهاء الحدث؛ وفي الوقت الذي تدفع فيه الكثير من الجهات والمنظمات إلى تبني "صحافة إنسانية" في سوريا تنقل صور فئات تهملها كاميرات "الصحافة الجادة"، يلزم صحفيون أنفسهم بأكثر من ذلك.
ينعم اليتيم محمود وعمره (سنه واحدة) الذي فقد أهله وجميع أقربائه وأصبح مجهول النسب، بمساعدة مالية دورية مع عائلته الجديدة التي تبنت تربيته، منذ أن عرضت الصحفية سناء العلي مأساته في فيديو مصور، في محاولة منها لنقل وضع عائلته الجديدة إلى فاعلي الخير الذين يتبنون عادة مساعدة مثل هذه الحالات، ويقدمون الدعم المادي لهم.
تقول سناء: "تأثرت كثيراً بقصة الطفل محمود، فقررت أن أساعده أنا أيضاً". وقد استطاعت عبر معارفها الكثر تأمين مساعدة مالية قدرها ألف وخمسون دولار لمحمود وعائلته الجديدة النازحة من كفرسجنة، والتي كانت أخذت على عاتقها تربية محمد بين أولادها الخمسة، كذلك استطاعت سناء تأمين كفالة مالية للطفل قدرها 500 ليرة تركية من قبل سوريين مغتربين يكفلون الأيتام.
يعلق عمر الحاج رئيس "رابطة الصحفيين السوريين الأحرار" في شمال سوريا على الموضوع قائلاً: "الصحافة الإنسانية هي أهم من الصحافة الخبرية في الحروب طويلة الأمد، لأنه مع الوقت تكثر احتياجات الناس المتنوعة، لذلك يضطر الصحفي أن ينتقل من الصحافة الخبرية إلى الصحافة الإنسانية لنقل المآسي والمساعدة حسب الاستطاعة".
لكن تفاعل صحفيين كثر شمال شرق سوريا مع الأحداث ونتائجها، عبر إنقاذ المصابين بالقصف أو مساعدة المتضررين منه لاحقا، يتخطى الصحافة الإنسانية التي تحرص المنظمات اليوم على نشر مبادئها للفت نظر الصحفيين إلى نقل الجانب الإنساني في كل ما يمر بمناطق تغطيتهم، وعدم الاكتفاء بنقل الحدث وتصريحات الفاعلين. وفي هذا السياق يوضح عمر الحاج رئيس الرابطة أنهم يحرصون على تبني مبادئ وأخلاقيات الصحافة الإنسانية لإخراج الصورة الحقيقية للواقع والعمل الإنساني بعيداً عن "التزييف والتشويه"، عبر دورات تقيمها المنظمات المدنية في أخلاقيات الصحافة ومواثيق الشرف يخضع لها أعضاء الرابطة بشكل دوري.
في تجارب أقدم من ريف حماه الجنوبي، تحديداً في منطقة خربة، سقطت براميل متفجرة على منطقة مأهولة بالسكان المدنيين، ما أدى إلى جرح العديد من الأطفال والنساء، وعندها سارع مراسل قناة أورينت فراس كرم إلى إنقاذ المصابين وإسعافهم مع زملائه إلى مستشفى في معرة النعمان، كما يتذكر اليوم، معتبراً ذلك أولوية مقدمة على عمله الصحفي. يقول: "على الصحفي أن يراعي الناحية الإنسانية والأخلاقية في عمله الصحفي ويقدمها على مصلحته وعمله في مثل هذه المواقف والظروف".
بينما يساعد المراسل الصحفي أحمد الحنيني المدنيين في جبل الزاوية اليوم، على إخلاء المناطق المستهدفة بعد وقوعها كخطوط اشتباك مع النظام. يرشد الشاب المدنيين إلى مناطق أقل عرضة للقصف مستعيناً بخبرته التي اكتسبها من تنقلاته بين المناطق المتاخمة لحدود قوات النظام، ومن واقع عمله الإنساني وتغطيته الصحفية هناك يقول أحمد أنه ليس الوحيد الذي يتصرف على هذا النحو، بل جميع زملائه في المهنة الذين يعملون الآن في ذات المنطقة.
أما تشبيك الحالات الإنسانية بالمنظمات الداعمة، فنوع شائع آخر من المساعدة اتبعه الكثير من الصحفيين في إدلب، ومنها ما يكون عن طريق الإشهار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها ما يكون عن طريق وصل الحالة بمنظمات مختصة مثل الطفل فصيح إدريس من معرة النعمان، الذي فقد رجله بسبب القصف، فقد عمل صحفيون من منطقته على وصله بمنظمة استطاعت تأمين طرف صناعي له.
تقول الصحفية سناء إحدى المساهمات في حالة الطفل: "هزتني العبارة التي جاوبني بها فصيح: أريد طرف صناعي، عندما سألته عن أهم شيء يطمح إليه ويتمناه في نهاية تصويري له".