في ساحة المدفع أو "الطوبجي ميدان" الشهيرة، وسط المدينة التركية، يُسمع صوت المطرب العراقيّ جبار عكار من محلّ صيانة أجهزة الجوّال. يعلّق أحد المارّة، وهو من مدينة دير الزور: "جبار عكار!! حتى بالدير ما ظل أحد يسمع له بالسنوات الأخيرة قبل الثورة. أكيد اللي قعد يسمعه ديري".
بإصرارٍ يحاول أبناء دير الزور نقل أمزجهتم أينما رحلوا. ويأخذ حضورهم نموذجاً متحدياً ظروف عيشهم، وهي في أورفا -كما في المدن التركية الأخرى- بالغة القسوة، يعانون فيها من البطالة والعوز الدائمين، فضلاً عن مشكلات التعليم والصحة والسكن.
يبلغ عدد لاجئي محافظة دير الزور في ولاية أورفا ما يقارب 200 ألفٍ، حسب ما يقدّر ناشطون في منظمات الإغاثة. يقطن نصفهم في المخيّمات ويتوزّع الباقي على عموم الولاية. نسبةٌ كبيرةٌ من "ديريّي أورفا" تقيم وسط المدينة في الأحياء القريبة من ساحة المدفع، بمتوسّط إيجارٍ شهريٍّ 600 ليرةٍ تركية، فيما يتراجع هذا المعدّل في الأحياء الأبعد والشعبية. وظهر في أورفا ما يعرف بالسكن الشبابيّ، وهي بيوتٌ "عربيةٌ" ذات عددٍ كبيرٍ من الغرف، يستثمرها البعض بمبلغٍ محدّدٍ ليقوم بعد ذلك بتأجيرها بمتوسط 150 ليرةً للفرد الواحد كلّ شهر. ازداد عدد هذه البيوت -التي تأوي العزّاب غالباً- إلى حدٍّ كبير، وشكلت نوعاً من الاستثمار للراغبين في تشغيل أموالهم. وهي أيضاً مكان إقامةٍ معقولٌ للشباب العاملين أو الباحثين عن عمل. يقول زاهر، وهو مالك أحد هذه البيوت: "يقصد أغلب الشباب هذا النوع من السكن لعجزهم عن استئجار منزلٍ كامل. وغالباً لا يأتون إلى المنزل إلا للمبيت، فهم يقضون أغلب يومهم في العمل".
يعمل القسم الأكبر من أبناء دير الزور في أعمالٍ يوميةٍ شاقة، كأعمال البناء المختلفة وأعمال التفريغ والتحميل وغيرها من الأعمال العضلية. ولا يزيد الأجر اليوميّ للواحد منهم على 40 ليرةً في غالب الحالات، في حين يتلقى العمال المهرة -أو ما يعرف بـ"المعلمين"- أجراً أعلى بقليل. يقول وائل، خرّيج كلية الاقتصاد والمعيل لزوجته وابنته: "بحثت كثيراً عن عملٍ بأجرٍ يكفيني فلم أجد إلا العمل كمندوب مبيعاتٍ براتب 500 ليرةٍ شهرياً. ثم عثرت على عملٍ في فرنٍ بأجرٍ أعلى، لكني اضطررت إلى العودة إلى عملي السابق بعد إغلاق الفرن".
ويبدو المعلمون الموظفون في المدارس التي تشرف عليها الحكومة التركية أوفر حظاً من العمال، إذ يتلقون مبلغ 900 ليرةٍ شهرياً مقابل خمسة أيام عملٍ في الأسبوع وعددٍ قليلٍ من ساعات الدوام.
تعدّ المساعدات المالية الشهرية التي يرسلها الأقرباء أو أفراد الأسرة المقيمون في الخليج مصدر دخلٍ مهمٍّ لكثيرٍ من العائلات. لكنه غير كافٍ دون دخلٍ آخر، مثل افتتاح محل بقالةٍ أو خضار، أو مطعمٍ أو مقهى بالنسبة إلى بعض الميسورين.
تقدّم الحكومة التركية الخدمات الصحية مجاناً لمن يحمل بطاقة الكملك، ومع ذلك قامت بعض المنظمات بافتتاح مراكز صحيةٍ مجانية، كمركز "بنيان" للاستشفاء الذي أسّس في نهاية العام 2012 كأول المراكز الطبية المجانية، ويديره أطباء وممرّضون من أبناء دير الزور اللاجئين في تركيا. يقدم هذا المركز خدماتٍ كاملةً تقريباً للمرضى السوريين. ويقول مديره الصيدلانيّ مثنى العيسى: "يقوم المركز باستقبال المريض قبل وبعد العمل الجراحيّ. ويرافقه الكادر إلى المشفى التركيّ لإجراء الفحوصات وتوفير خدمة الترجمة وتقديم الإشراف العلاجيّ والإقامة المجانية والتأهيل الطبيّ والفيزيائيّ حتى الشفاء الكامل".
وكمبادرةٍ للتخفيف من المصاريف العلاجية ولتجاوز عائق اللغة أنشئت "فرات الموحدة"، وهي منظمةٌ قامت بجهود أبناء المحافظة في الخارج، كمركزٍ صحيٍّ يضمّ الأقسام التالية: العيادة السنية، العيادة الداخلية، العيادة النسائية، عيادة الأطفال، الصيدلية المجانية، المخبر المجانيّ. يقول محمود الجيال، مدير المنظمة: "يقصد السوريون هذا المركز بسبب صعوبة فهم المريض للطبيب التركيّ وحاجته الدائمة إلى المترجم. وبلغ عدد المراجعين له 1784 مريضاً في آذار الماضي".
كما بادر عددٌ كبيرٌ من الشخصيات الديرية إلى تشكيل "تجمع أبناء دير الزور في أورفا"، كمحاولةٍ لجمع الجهود وصبّها في خدمة اللاجئين وتقديم الخدمات الإغاثية والتوثيقية. وتشكلت في الآونة الأخيرة العديد من التجمعات السياسية والنقابات والروابط المهنية الساعية إلى تأطير أبناء المحافظة ضمن عملٍ مؤسّساتيّ.