بدا في الآونة الأخيرة أن تنظيم الدولة قد غيّر شيئاً من طرائق تعامله الخشنة مع السكان في مدينة دير الزور، وخاصةً بعد تعيين مسؤولٍ جديدٍ للحسبة في المدينة، تُنقل أخبارٌ عن لطفٍ وليونةٍ لافتين في سلوكه، وإليه يعود "فضل" توقف العقوبات الغريبة التي كان سلفه ينزلها بالمعتقلين والموقوفين لارتكابهم "المخالفات". ويعزو كثيرٌ من السكان "إصلاحات" التنظيم هذه إلى بعض النسوة اللواتي كنّ طرفاً في حوادث عدّةٍ فجّرت النقمة الشعبية على مسؤولي الحسبة السابقين، وخاصةً على كلٍّ من المدعوّين أبو أسامة وأبو شدّاد. فبعد كلّ حادثةٍ تتعرّض فيها المرأة لاضطهادٍ ما، تندلع المواجهات الكلامية، التي قد تتطوّر إلى التضارب بالأيدي والحجارة، بين بعض شبان المدينة وعناصر التنظيم. إضافةً إلى حالات التجمهر والتحشيد السريعة التي أحبطت محاولات اعتقالٍ كثيرة، بالتزامن مع مئات الشكاوى المرفوعة إلى "المحكمة"، وغير ذلك من أساليب المقاومة التي تربك التنظيم وتجبره على الرضوخ -ولو مؤقتاً- لطلبات السكان.
تقول أم هاني، وهي معلمة مدرسةٍ سابقةٌ، إن هدف التنظيم هو "إلغاء المرأة، وإبعادها نهائياً عن الحياة العامة". وتعزو فشله في تحقيق مسعاه حتى الآن إلى العادات والتقاليد والعواطف والتربية والثقافة، التي أدّت مجتمعةً إلى ذلك الفشل.
للمرأة مكانةٌ جيدةٌ نسبياً في عموم مجتمع مدينة دير الزور، فهي تتعلم حين يكون التعلـــــــيم متاحاً، وتعمل في كثيرٍ من الأحيان أكثر من الرجل، ويحدث في حالاتٍ عدّةٍ أن تُسمّى البيوت بأسماء سيداتها، (بيت فلانة وأولاد فلانة). لكن التنظيم لا يقيم اعتباراً لهذه العوامل. ولا يمكن، بحسب ما يؤكد السكان هنا في دير الزور، فتح أيّ حوارٍ منطقيٍّ مع عناصره أو مسؤوليه. ومعـظم حالات استجابة التنظيم لمطالب عامةٍ تنبع من إدراكه لمصالحه فقط. وهذا ما فهمه الأهالي مبكراً، وخاصةً النسوة اللاتي سرعان ما ينتفضن في ردّات فعلٍ غاضبةٍ، وخاصةً كبيرات السنّ منهنّ، مستثمراتٍ مكانتهن البارزة في الوعي العام، فلا يتورّعن عن فضح انتهاكات التنظيم، بسببٍ أو بدون سبب -وهو ما لا يجرؤ عليه الرجال- و(بهدلة) عناصره ومواجهتهم، والدعاء عليهم (وهو ما يثير حفيظتهم). وهذا ما تفضّله أم هاني على النقاش، حين يتعرّضــــــون لها (إذ اضطرّ التنظيم إلى السماح للمسنّات بكشف وجوههنّ، لكن هذا لا يــــعفيهنّ من التعرّض للتوبيخ والنصيحة القسرية من عناصر الحســـــبة في الشارع). وعن طريق الولولة والصياح: "وين أهل المروّة"، تتمكن المرأة من حشد كلّ من يصل إليــــــه الصوت، أو يلحظ واقعة إزعاج "أمٍّ" مقدّرةٍ، ضدّ سيارة الحسبة التي تضطرّ إلى الانــــسحاب في معظم الحالات، تجنباً لتدهورٍ مفاجئٍ قد لا تحمد عقباه.
وتلجأ النساء الأصغر سناً إلى أسلوب (الضلع القاصر)، إن صحّ تعبير أم هاني. ففي ظلّ غياب قوانين واضحةٍ، لا يمكن للفتيات أو للأمهات الشابات مواجهة الحياة في ظلّ "داعش"، كما تقول، إلا بمساعدةٍ مستمرّةٍ من رجال العائلة، الذين لا يطيقون تطوّر احتقار "داعش" النظريّ للنساء إلى احتقارٍ ماديٍّ، بإيقاع عدّة ضرباتٍ بطرف العصا على ظهور النسوة أو أكتافهنّ في الحالات التي تُخلّ فيها المرأة بالتزامها بقوانين "الحشمة"، بارتخاء نقابٍ هنا أو ظهور تطريزٍ على العباءة هناك. وأعقبت كلّ حادثة تعنيفٍ علنيةٍ مثل هذه هبّاتٌ شعبيةٌ أجبرت "داعش" على مراجعة حساباتها. وتستشهد أم هاني بحادثة ضرب فتاةٍ من حيّ الحميدية، دفعت إخوتها إلى مهاجمة دورية الحسبة، ثم إلى العصيان داخل السجن بعد اعتقالهم. وتزامن هذا مع حوادث أخرى على امتداد المحافظة، لعلّ أبرزها مواجهات بلدة صبيخان، التي سقط فيها العديد من القتلى من عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" ومن أبناء البلدة.
ليس للحسبة قانــــونٌ واضـــحٌ، خاصّةً في ما يخصّ النساء، لكن الشائع هو المراقبة المشــــدّدة على اللباس المفروض رسمياً من قبل التنظيم. لتبقى سلوكياتٌ أخرى، مثل استعمال المرأة للموبايل في الطريق، أو سفرها إلى مناطق خارج سيطرة التنظيم، خاضعةً لمزاج عناصره.